إيلاف من باريس: أكد أسطورة الملاكمة الأوكراني أولكسندر أوسيك أنه مستمر في احتراف اللعبة "لفترة أطول قليلاً"، مدفوعًا بدوافع تتجاوز الإنجازات الرياضية، أبرزها تقديم الدعم المالي للجيش والمدنيين في بلاده التي تعيش تحت وقع الحرب منذ شباط/فبراير 2022. وقال في حديث لوكالة فرانس برس: "تمثيل أوكرانيا على الساحة الرياضية العالمية، ونشر الحقيقة حول الحرب وتقديم الدعم المالي لجيشنا ومدنيينا، كل هذا يشكّل دافعًا قويًا للاستمرار".
ويبلغ أوسيك من العمر 38 عامًا، وكان قد تطوع في صفوف الجيش الأوكراني في الأيام الأولى للغزو الروسي. ومنذ ذلك الحين، تحولت الملاكمة إلى ساحة أخرى للنضال، يستخدم فيها شهرته وانتصاراته لرفع اسم بلاده المحاصرة وإبقاء مأساتها في أذهان العالم.
اشتهر أوسيك بانتصاراته الكبيرة على أبرز الملاكمين البريطانيين، مثل أنتوني جوشوا، دانييل دوبوا، وتايسون فيوري، وهو يطمح الآن لاستعادة لقب بطل العالم للوزن الثقيل بلا منازع، بعدما فقد حزام الاتحاد الدولي للملاكمة (IBF) لصالح دوبوا في حزيران/يونيو 2024.
ويحتفظ أوسيك حتى اليوم بأحزمة ثلاث منظمات كبرى: المنظمة العالمية (WBO)، الرابطة العالمية (WBA)، والمجلس العالمي للملاكمة (WBC)، وحقق الفوز في 23 نزالًا من دون أي خسارة، منها 14 بالضربة القاضية.
قال أوسيك إنه تبرع بمعظم ثروته لدعم الجيش وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، مؤكدًا أن مؤسسته الإنسانية جمعت ملايين اليوروهات خلال السنوات الثلاث الماضية من جهات مانحة متعددة، لدعم المشاريع الإنسانية وإعادة البناء. من بين أبرز هذه التبرعات، مساهمته في إعادة بناء منزل صديقه الحميم أوليكسي دجونكيفسكي، الذي قتل برصاص القوات الروسية في إربين، ضاحية كييف.
وخلال نزال العودة الذي فاز فيه بالنقاط على تايسون فيوري في كانون الأول/ديسمبر الماضي في الرياض، احتفل أوسيك برفع سيف تاريخي يرمز للبطل الأوكراني إيفان مازيبا، الذي واجه الهيمنة الروسية في القرن السابع عشر. وقال: "من المهم للغاية أن نظهر أن أوكرانيا ليست روسيا، وأننا أمة قاومت الإمبراطورية الروسية منذ 300 عام، مهما تغيّرت أشكالها".
أوسيك أشاد بفيوي، معتبراً إياه "أصعب منافس واجهته في الوقت الحالي"، وتوقع عودته للملاكمة "ولو في دور مختلف"، معربًا عن استعداده الكامل لأي تحدٍّ جديد في طريقه نحو اللقب الكامل.
ويعود الحافز العميق في شخصية أوسيك إلى إرث والده الراحل، الجندي السابق في الجيش السوفياتي، الذي قاتل في أفغانستان بين عامي 1979 و1989. وقد تأثر أوسيك بشخصية والده الصارمة، وقال: "لقد غرس فيّ الانضباط وعلمّني أن أؤمن بنفسي... كان أول من أخبرني أنني سأصبح بطلاً، عندما لم يصدقه أحد".
ورغم بطولاته في الحلبة، يشدد أوسيك دومًا على أن "الأبطال الحقيقيين هم المقاتلون على الجبهة"، مؤكدًا: "لن أقارن نفسي بهم أبدًا". وقد سبق لعدد من الجنود الجرحى أن حضروا نزال فوزه على جوشوا في جدة في آب/أغسطس 2022، حيث ارتدى أوسيك ملابس مزينة بالألوان الأوكرانية وعليها عبارة "ألوان الحرية".
وفي رسالة إنسانية مؤثرة، أهدى فوزه الأخير على فيوري لجميع الأمهات الأوكرانيات، وخصوصًا من فقدن أبناءهن في الحرب. وقال: "كأب، أتفهم بكل إخلاص ألم الأمهات اللاتي يفقدن أطفالهن... هذا النوع من الأشياء لا ينبغي أن يحدث في العالم الحديث".
ورغم كل هذه الإنجازات والرسائل القوية، رفض أوسيك تلخيص مسيرته حتى الآن، معتبرًا أنه "لا يزال من المبكر الحديث عن الحصيلة النهائية"، مشيرًا إلى أن نزالين آخرين يفصلانه عن قرار الاعتزال، وقد يكون أحدهما حاسمًا في تحديد هوية البطل الكامل للوزن الثقيل.