: آخر تحديث

ما الذي يحتاجه الإيرانيون لنجاح ثورتهم؟

14
14
10

تدخل احتجاجات إيران شهرها الرابع بحصيلة ثقيلة حيث سجلت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات الى469 شخصاً من بينهم 63 طفلا قتلوا بالرصاص الحي منذ انطلاق المظاهرات منتصف سبتمبر الماضي.
يبدو واضحا أن مشكلة النظام الايراني تتعمق يوما بعد حتى مع تشديد الخناق على المظاهرات والقبض على المتعاطفين معها من الشخصيات الفنية المعروفة واطلاق احكام بالاعدام ضد 6 أشخاص في محاولة لإحداث الصدمة والترويع في نفوس كل من يحاولون حشد أنفسهم لاستكمال المسيرة واسقاط النظام، والواضح أن مسار الاحتجاجات لن يتوقف الى غاية أن يصل الى حدث فارق في تاريخ الايرانيين الذي سأموا نظام ولاية المولى وسياسته الخارجية التي تتحمل مسؤولية كبيرة في ادخال البلاد في عزلة سياسية كان من تبعاتها توالي الأزمات الاقتصادية  أثقلت كاهل الايرانيين وزادت من حقدهم على هذا النظام حيث اتخذوا من مقتل مهسى أميني الشرارة التي أطلقت العنان في شوارع ايران رفضا لاستمرار وضع مقيت جثم على صدور الشعب لعقود طويلة ولكن المسألة ليست بتلك السهولة .

مخطأ من يظن أن الايرانيين دعموا الاحتجاجات لمجرد مقتل فتاة على يد شرطة الاخلاق والدليل أن تحرك السلطة لمعاقبة المتسببين لم يشفي غليل الايرانيين ولم يضع نهاية لامتداد الاحتجاجات : لقد دفعت مهسى ثمنا غاليا أعادت به الأوضاع الى المربع الأول من احتجاجات نوفمبر 2019 العنيفة والتي ربما كانت الجائحة طوق نجاة نظام الملالي فيها، بعد إعلان سلسلة من الاجراءات الاحترازية التي عطلت تحركات الايرانيين وساهمت في عدم انتشار رقعة الاحتجاجات أكثر فأكثر ...كانت تلك الاحتجاجات رفضا لرفع سعر البنزين بنسبة 300 % ولكنها أيضا تخفي وراءها رفضا لسياسات الحكومة التي لا تتوانى عن افراغ  جيوب المواطنين كحل لمعالجة الأزمات الاقتصادية في بلد نفطي خارت قواه بسبب ضغط العقوبات الأمريكية والدول الأوروبية وسياسة حكامه الفاشلة .

مشكلة الشعب مع النظام في إيران سياسية واقتصادية في آن واحد ذلك، لأن تسييس الدين واستعمال الخطاب الديني في جميع مناحي الحياة أصبح لا يكفي لإقناع الايرانيين بأن سياسة بلادهم المدافعة عن القدس والمتحالفة مع الجهاد الاسلامي والحوثيين والمعادية لدول الجوار قد عادت بالنفع على مصالح البلاد فالسلطة تمارس دجلا سياسيا تحت غطاء الدين أصبح من الصعب أن يجد تعاطفا من الايرانيين كيف لا وهو أساس مشاكلهم الاقتصادية وأساس عدم استفادتهم من ثورة نفطية قادرة على رفع مستوى المعيشة وتغيير حال البلاد.

النظام الايراني مهزوز وبشدة من الداخل ودليل ذلك حجم العنف والترهيب الذي يمارسه من أجل اسكات صوت الاحتجاجات بعد أن فشل الخطاب الديني وفشل رواية القائمين على ادارة السلطة في نسب الاحتجاجات الى قوى الشر التي تدار من واشنطن لأن الايرانيين في قرارة أنفسهم قد أيقنوا أن الشر لا يأتي من وراء البحار بل من داخل طهران ومن داخل نظام مستعد لفعل أي شيء لبقاء إيران كثكنة عسكرية يفرض فيها القانون باستعمال أدوات البروباغندا والدين واسطوانة المؤامرات وحلم القضاء على اسرائيل وتحرير القدس وما شابه ذلك من هذا الكلام.

أسطوانة المؤامرة سقطت بعد أن رأى الشعب الايراني تصرف واشنطن حيال ما يجري، فالإدارة الأمريكية ومن خلال اسلوب تعاملها ببرودة مع يجري في إيران أثبتت أنها لا تريد ان يسقط نظام المولى ولا تريد لإيران ان تصبح دولة مدنية مستقلة تتمتع بعلاقات طبيعية مع دول الجوار ذلك لأن بقاء النظام الايراني هو استمرار للإنفاق العسكري في دول الخليج واستمرار لابتزازهم بخطر الدولة الملالية التي تريد الاستيلاء على اليمن بعد أن وضعت موطأ قدم في العراق.

لا يخلو الأمر من مكائد اسرائيل ومن دعمها لبعض أصوات المعارضة في الخارج ولكن تأثير هذه الأصوات ضعيف داخل طهران وخارجها ولايمكن الاعتماد عليه بالشكل الذي يسرع الأحداث ويرتب لسقوط نظام يخلفه أناس مستعدون للتعاون معها وإن وجدوا فإن مهمتهم اقناع الناس بخلافة نظام المولى أصعب بكثير من مهمتهم في المشاركة باسقاط النظام، وحتى الآن لم يتفق الشارع على زعيم يقود الثورة أو ينصب على رأسها ليكون اللسان المعبر عن أصوات الايرانيين وهذه النقطة تحسب للنظام الايراني : بشكل عام الأنظمة عندما تواجه غضب الشارع تخشى أن يتم تأطير الاحتجاجات وأن يقودها أشخاص سياسيون خبراء بدواليب السلطة ويعرفون كيف يتم تنظيم الصفوف، ذلك أخطر بكثير من  تحركات معزولة وان كانت كثيرة فعلاجها الرصاص والاعتقال والتعذيب والترهيب.

مع بداية الاحتجاجات كتبت مقالا   تحت عنوان " الملالية الى زوال " توقعت فيه استمرار الاحتجاجات الى غاية اسقاط النظام وذلك لأنني أؤمن بأن بكل مكونات الثورة ومسببات سقوط الأنظمة تجتمع في الحالة الايرانية ولكن ثمة حقيقة لا يمكن انكارها وهي أن مسألة السقوط باتت صعبة قليلا مع مرور الزمن بدون دعم دولي قوي يصنع الى قرارات حاسمة وبدون انشقاقات عسكرية من أعلى مراتب الجيش أو ديبلوماسية في عدة سفارات، لهذا فإن مسألة بقاء النظام الايراني أو انهياره مسألة تتداخل فيها هذه العوامل الرئيسية وهي غير موجودة في الوقت الحالي.

قد نشهد في الأسابيع القليلة المقبلة مفاجئات تأتي من قلب النظام عندما يتأكد بعض الضباط النزهاء ورجال السياسة الوطنيون بأن القارب سيغرق بمن فيه وأن إيران إذا لم يتم انقاذها في هذه الفرصة فان الفرصة لن تأتي مجددا وأن الدفاع عن نظام استهلك كل أوراقه في الداخل والخارج.  
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.