: آخر تحديث

وساطة روسية لإنقاذ إيران ومنع انفجار الشرق الأوسط

2
2
3

دخلت روسيا على خط الوساطة في الصراع المشتعل بين إسرائيل وإيران، في محاولة لإنقاذ حليفتها ومنع تطور الصراع بينهما ليؤدي إلى انفجار منطقة الشرق الأوسط برمتها، بما يعيد إبراز دور روسيا كقوة عالمية تتمتع بتأثير واسع في عملية صناعة القرار الدولي وتثبيت الاستقرار في المناطق الساخنة والمتوترة.

عودة إلى الميدان العالمي
لهذه الغاية، أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتصالاً بنظيره الأميركي، دونالد ترامب، لتهنئته بعيد ميلاده، والتداول بشأن التصعيد بين طهران وتل أبيب، والتنسيق مع الرئيس الأميركي للقيام بوساطة تتيح له إنقاذ حليفه الإيراني، الذي وقع معه معاهدة تحالف استراتيجي منذ أشهر قليلة، وإعادته إلى طاولة المفاوضات.

وقال ترامب عبر حسابه على منصة "تروث سوشيال" إنه وبوتين تحدثا مطولاً لنحو ساعة، وكان الجزء الأكبر من الاتصال مخصصاً للتصعيد بين إسرائيل وإيران، مؤكداً أنه ونظيره الروسي "اتفقا على ضرورة إنهاء الصراع الحالي". موقف ترامب، الذي يشكل ضوءاً أخضر للوساطة الروسية، وخصوصاً مع إشارته إلى حديث بوتين عن إيران "البلد الذي يعرفه جيداً"، يعد تحولاً على أكثر من صعيد.

الأول، على صعيد ترامب نفسه بعد سلسلة من المواقف والتصريحات المتدرجة لدعم الضربات الإسرائيلية وممارسة المزيد من الضغوط القصوى على طهران من أجل إعادتها إلى المفاوضات وقبولها التوقيع على الاتفاق مع أميركا وبشروطها، والتي شكلت غطاء سياسياً ومعنوياً لتحركات تل أبيب.

الثاني، وهو التحول الأبرز، توظيف موسكو لانفتاح واشنطن عليها عقب دخول ترامب البيت الأبيض من أجل عودة قوية إلى ميدان السياسة العالمية، بعد ثلاث سنوات من الجهود التي بذلتها إدارة سلفه، جو بايدن، بالتعاون مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" لتحجيم حضور روسيا ومحاصرتها عبر شبكة متنوعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية.

الحل النووي
وكان بوتين قد أجرى اتصالاً مماثلاً برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مساء الجمعة، للضغط عليه من أجل إيقاف التصعيد، ولإقناعه بالوساطة بين تل أبيب وطهران. وتستند موسكو إلى علاقاتها الوثيقة بإيران وتحالفهما الاستراتيجي، وعلاقاتها القوية مع إسرائيل، ومع نتنياهو بالذات، مما يتيح لها توظيف أوراق القوة التي تمتلكها لإيقاف النزاع الناشئ ومنع تدهور الأوضاع نحو تفجير منطقة الشرق الأوسط بكامله.

هذه الأوراق كانت روسيا بدأت استخدامها بشكل حثيث في الأسابيع الأخيرة للحؤول دون حصول ضربة إسرائيلية، عقب تلمسها تدهور الأوضاع بشكل سريع، حيث عرض بوتين في اتصال هاتفي الأسبوع الماضي، حصول بلاده على المواد النووية الزائدة التي تتيح لإيران إنتاج أسلحة، ومعالجتها قبل إعادتها للاستفادة منها كوقود للمفاعلات السلمية.

وقبل الضربة بيومين، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، استعداد بلاده لتقديم طروحات وأفكار جدية تساعد على إنجاح المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وتشتمل على صيغ عملانية، أبرزها تصدير المواد النووية الزائدة التي تنتجها طهران، أي اليورانيوم ذو التخصيب العالي، ومعالجتها وتعديلها في المفاعلات الروسية، لإنتاج وقود للمفاعلات، ومن ثم إعادتها إلى إيران لكي تستفيد منها في المفاعلات السلمية.

الأمر الذي يتسق مع ما تطالب به واشنطن من ناحية شحن كل اليورانيوم عالي التخصيب خارج إيران. وهذا الدور سبق أن لعبته موسكو بنجاح، وأسهمت في توقيع الاتفاق النووي بين أميركا وإيران عام 2015.

"روساتوم" كأداة جيوسياسية
في موازاة المحادثات بين بوتين وترامب، دخلت روساتوم، وهي مؤسسة الطاقة الذرية الحكومية الروسية، على خط التصعيد، من خلال إعلانها يوم السبت، اعتزامها بناء 8 وحدات لمحطة الطاقة النووية في إيران، من أجل دعم وتعزيز النشاط النووي لأغراض سلمية.

تعتزم شركة روساتوم بناء 8 وحدات لمحطة الطاقة النووية في إيران. وقد أُعلن عن ذلك في طهران. ويشير الخبراء إلى أن روسيا لم تنسَ مساعدة إيران في الأوقات الصعبة، وأنَّ إيران تُعد سوقًا جذّابة لشركة روساتوم.

هذه الشركة، ومقرها موسكو، متخصصة في الطاقة النووية والسلع النووية غير المستهلكة للطاقة ومنتجات التكنولوجيا الفائقة، وتعد الشركة الأولى على صعيد توليد الكهرباء في روسيا بنحو 20 بالمئة من إجمالي الإنتاج، وتبرز على صعيد بناء محطات الطاقات النووية خارج روسيا. ومنذ أيام قليلة، بدأت مع شركاء آخرين، تنفيذ أول مشروع طاقة نووية في كازاخستان، أكبر منتج لليورانيوم في العالم.

عام 2011، دشّنت "روساتوم" أول وحدة طاقة في محطة "بوشهر" للطاقة النووية، وفي العام 2019، بدأت بناء الوحدة الثانية. وتشمل الخطط بناء الوحدة الثالثة. وكان من المقرر سابقًا إكمالها في العامين 2025 و2027. وأشارت تقارير إعلامية روسية موازية إلى أن السوق الإيرانية في هذا القطاع واعدة للغاية، حيث تخطط طهران لبناء وحدات نووية تصل قدرتها إلى 20 غيغاواط.

بالطبع فإن دخول "روساتوم" على خط النووي الإيراني هو نتيجة قرار استراتيجي للإدارة الروسية، حيث تحاول استثمار نشاطها وسمعتها كأداة جيوسياسية تتيح لها إنجاح وساطتها في المسألة الإيرانية، وخصوصاً النقطة الخلافية بين طهران وواشنطن، وهي اليورانيوم عالي التخصيب، والتعاون مع أميركا لتوجيه الموارد الإيرانية في هذا القطاع نحو الأغراض السلمية، وفي طليعتها إنتاج الطاقة.

وعليه، تكون روسيا ضمانة إضافية إلى جانب رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إزاء أنشطة إيران ومفاعلاتها، إنما بصيغ تشاركية وتعاونية بعيدة عن المناخ العدائي الذي فرضته المجموعة الأوروبية بالذات، بالإضافة إلى الضغوط السياسية الإسرائيلية.

لا تزال هذه الوساطة في بداياتها، لكن موسكو تعول عليها لتطوير علاقتها مع واشنطن، وترسيخ عودتها إلى ميدان السياسة العالمية من الباب الكبير، وتثبيت مكانتها كقوة مؤثرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.