: آخر تحديث

خيارات ترامب

2
2
2

عقب خمس جولات من المفاوضات الأميركية الإيرانية التي تخص الملف النووي، وبعد انهيارها وتعارض المصالح بين الطرفين بما يتعلق بمسألة التخصيب، حيث أصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولو حكومته على عدم إمكانية أن يكون لإيران الفرصة للحصول على السلاح النووي، وما أعقب ذلك من ردود فعل إيرانية حيث دافعت عن حقها في تخصيب اليورانيوم متذرعة بنواياها السلمية، تُفاجأ المنطقة بشن إسرائيل سلسلة من الهجمات الجوية الواسعة فجر يوم الجمعة الموافق 13 حزيران (يونيو) التي طالت عدداً من المدن الإيرانية، أهمها العاصمة طهران، وجاءت تحت مبررات تدمير المنشآت النووية والصاروخية وإزالة التهديد الوجودي للدولة الإسرائيلية على حد قول حكومتها.

ولم يكتفِ الهجوم الإسرائيلي بذلك، وقد أثبتت العملية أنَّ صداها أبعد من أن تكون هجمات تقتصر على استهداف المنشآت النووية والصاروخية، بل تصل إلى حالة الحرب عندما قتلت قادة من كبار العسكريين في النظام الإيراني، أبرزهم علي شمخاني مستشار المرشد الأعلى خامنئي، ورئيس الأركان محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، والعلماء النوويين منهم فريدون عباسي ومهدي طهرانجي. وفي مساء اليوم نفسه، جاء رد الفعل الإيراني بإطلاق طهران عشرات الصواريخ تجاه تل أبيب، حيث لجأ النظام الإيراني إلى آخر مرحلة في طريقته لخوض الصراعات والحروب، وهي الحرب المباشرة التي تأتي نقيض الاستراتيجية المعتمدة من خلال حروب الجماعات التابعة والموالية للنظام في المنطقة منذ عقود، بعد تحجيم دورها وعدم إمكانية مواصلة دعمه لها كما كان.

وبالرغم من عدم تفعيل الولايات المتحدة الخيار العسكري، وتكرار التصريحات من جانب الحكومة الأميركية، وعلى رأسها ترامب، بعدم علاقتها بالحرب وأنها شُنّت من جانب أحادي من قبل إسرائيل، إلا أنَّ الهجمات الإسرائيلية أتت بمباركة أميركية، وخصوصاً عندما قال ترامب واصفاً الضربات الإسرائيلية بـ"الممتازة".

لا شك أنه من المقدّر أن تنتهي الأمور على ما هي عليه الآن، خاصةً أنَّ الرئيس الأميركي قد وضع إيران أمام الأمر الواقع من خلال خيارين لا ثالث لهما: إما العمل الدبلوماسي وقبول الشروط الأميركية في عدم استمرار عملية التخصيب، أو العمل العسكري الذي يفضي إلى النتيجة نفسها. وبعد أن طالت مدة المفاوضات إلى أن اتضح أنه لا جدوى منها، ونفاد صبر الإدارة الأميركية، ربما قرر ترامب أن يستعمل ورقتي الضغط معاً، حيث يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لخوض الحرب من خلال تمرير العبء لها وعدم المشاركة بالحرب، وفي الوقت نفسه، يضع الخيار الآخر على الطاولة وهو عودة النظام الإيراني للمفاوضات وقبول الحل السياسي اضطراراً.

ختاماً، لا شك أنَّ الضغط الأميركي في التحديد ما بين العمل العسكري أو السياسي، الذي يؤدي إلى النتيجة نفسها، كان يثقل كاهل النظام الإيراني، وقد يترك له الاختيار مُكرهاً ولو كان متأخراً. ولكن الحالة أصبحت أكثر تعقيداً في ظل التصعيد المتبادل بين طرفي الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وخصوصاً بعد الخسائر الفادحة لكبار القادة العسكريين من الجانب الإيراني، وبدلاً من المحاولة لخفض التصعيد، يصر الجانبان على محاولة إبراز الهيمنة والقوة، كان ذلك بالوسائل الدعائية أو العسكرية، ويتوعد كل منهما الآخر بالتدمير والزوال، في حين أن كل طرف منهما يملك أوراق ضغط تضرّ بمصالح البلدين، بل تؤدي أيضاً إلى الضرر بالدول المجاورة وبالمنظومة الاقتصادية العالمية، وإن استمرار الحرب وتفاقمها سيؤدي لا محالة إلى تدخل أطراف خارجية، سواء كان مباشراً أو غير مباشر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف