يواجه النظام الإيراني منعطفًا خطيرًا في ظل تصاعد التوترات الدولية والإقليمية. قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، إلى جانب الضربة العسكرية الإسرائيلية على موقع نطنز النووي ومسؤولين إيرانيين، وضعا النظام في موقف حرج. يسعى النظام إلى استغلال الوقت والمناورة لتجنب المواجهة، لكنه يواجه ضغوطًا غير مسبوقة تهدد استمراريته. هذا المقال يستعرض التحديات المرتبطة ببرنامجه النووي، دوره في زعزعة استقرار المنطقة، ومستقبله في ظل هذه الأزمات.
البرنامج النووي: الطموح المخفي والضغوط الدولية
يُعد البرنامج النووي أحد أهم مرتكزات النظام الإيراني لفرض نفسه كقوة إقليمية. لكن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب تهديدات الولايات المتحدة بدعم ضربات عسكرية إسرائيلية، وضعا النظام أمام خيار صعب: إما التنازل عن برنامجه النووي بالكامل، مما يعني عودته إلى "المربع الأول"، أو الاستمرار في المراوغة بما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية كارثية. تصريحات وزير الدفاع الإيراني حول قدرة النظام على تركيب قنبلة تزن طنين على صواريخ بالستية ليست إلا محاولة إعلامية لتخويف الأطراف الأخرى، كما يرى المجتمع الدولي.
في حزيران (يونيو) 2025، كشفت المعارضة الإيرانية، عبر المجلس الوطني للمقاومة في واشنطن، عن "مشروع كوير"، وهو برنامج سري بدأ عام 2009 بأمر مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي. هذا المشروع يُعد استمرارًا لـ"مشروع آمد"، الذي توقف ظاهريًا عام 2003، ويؤكد سعي النظام لامتلاك السلاح النووي. وفقًا لسونا صمصامي، ممثلة المجلس، فإن الهدف الوحيد لهذا البرنامج هو إنتاج أسلحة نووية، وهو ما يعزز الشكوك الدولية حول نوايا النظام. هذه الاكتشافات تدفع المجتمع الدولي نحو التخلي عن سياسة المسايرة والتحول إلى الحزم والصرامة.
زعزعة الاستقرار الإقليمي: استراتيجية البقاء
على مدى أكثر من أربعة عقود، اعتمد النظام الإيراني على إثارة الحروب بالوكالة عبر تنظيمات تابعة له في دول المنطقة، مما جعله مصدرًا رئيسيًا للفوضى وعدم الاستقرار. من خلال استغلال القضايا الدينية والعربية-الإسلامية لأغراض سياسية، تمكن النظام من فرض نفوذه على بلدان المنطقة، لكنه أدخلها في صراعات طويلة الأمد. الضربة الإسرائيلية الأخيرة على نطنز، التي استهدفت علماء نوويين ومسؤولين، كشفت عن هشاشة موقف النظام، الذي يعتمد على الأزمات لضمان بقائه.
النظام يحاول استغلال هذه التوترات لتعبئة الدول والشعوب الإسلامية لدعمه، لكن بعد 46 عامًا من الخداع والتمويه، باتت حقيقته واضحة للعالم. هذه الاستراتيجية، التي كانت فعالة في الماضي، لم تعد مجدية، حيث يرى العالم أن النظام يسير في اتجاه معادٍ لمصالح المنطقة والشعب الإيراني نفسه.
منعطف خطير: خيارات محدودة
يقف النظام الإيراني اليوم أمام خيارين: إما الاستسلام للمطالب الدولية، مما يعني تفكيك برنامجه النووي وفقدان أحد مرتكزات قوته، أو الاستمرار في التصعيد، مما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية وصفتها المصادر بـ"الانتحار العسكري". الضربات الإسرائيلية، إلى جانب كشف المعارضة عن المشاريع النووية السرية، زادت من عزلة النظام دوليًا. إصراره على مواصلة سياسة المراوغة وإثارة الأزمات جعله أمام طريق مسدود، حيث أزال القناع عن وجهه الحقيقي كتهديد للأمن الإقليمي.
الكلام الختامي
النظام الإيراني، الذي اعتمد على المناورة وإثارة الأزمات لضمان بقائه، يواجه اليوم تحديات وجودية. الضغوط الدولية، الضربات العسكرية، وكشف أسرار برنامجه النووي تؤكد فشل سياسة المسايرة. هذا المنعطف الخطير يتطلب من المجتمع الدولي إعادة تقييم سياساته تجاه إيران، مع التركيز على نهج حازم يضمن استقرار المنطقة وسلامتها. إن استمرار النظام في سياساته الحالية قد يقوده إلى مواجهة كارثية، ليس فقط مع العالم، بل مع شعبه أيضًا.
إنَّ رجال الدين الحاكمين في إيران لديهم سجل حافل بالخداع والتستر، ولو لم تكن هناك كشوفات المقاومة الإيرانية على مدى 34 عامًا الماضية، لكانوا قد حصلوا على السلاح النووي منذ زمن بعيد. هذا النظام لم يلتزم يومًا بتعهداته في معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل أو قرار مجلس الأمن رقم 2231، واستخدم دائمًا المفاوضات لكسب الوقت وإكمال مشاريعه النووية. كان امتلاك القنبلة النووية وتصدير الإرهاب وإشعال الحروب في الخارج بمثابة الضمان الاستراتيجي لبقاء النظام. إن الإخفاقات الكبيرة التي مني بها النظام وقواته الوكيلة في المنطقة خلال العام الماضي زادت من حاجته إلى المشاريع النووية. لقد أظهرت التجربة أنه ما دام هذا النظام قائمًا، فلن يتوقف عن القمع، والإرهاب، وتصدير التطرف، وإشعال الحروب، ومتابعة المشاريع النووية. الحل النهائي للتخلص من دكتاتورية إرهابية تمتلك قنبلة نووية هو تغيير هذا النظام من قبل الشعب الإيراني ومقاومته. وكما أعلن آلاف المشرعين وقادة وشخصيات سياسية بارزة من دول مختلفة، يجب على المجتمع الدولي أن يعترف بحق الشعب الإيراني ومقاومته في النضال ضد هذا النظام وتغييره.