: آخر تحديث
هاشتاك الناس

"هايشة" السياسي

66
67
54

أخيراً ربح السياسي العراقي، وانتصرت "هايشته" المبجلة على كل التحليلات والتوقعات للاستراتيجيين بشأن توقعاته بتشكيل حكومة الحيض السياسي التي تصارع الزمن منذ أشهر للاستحواذ على ما تفيض به أبار النفط من موارد كبيرة وصلت مؤخرا 11مليار لشهر واحد، ومداخيل انفجارية للموازنات، واستثمارات تَدر أرباحا وهي على الورق فقط، وجمارك تنتج ذهباّ خالصاً من منافذ الوطن.
فهذا السياسي المثير للجدل في توجهاته وفنطازياته السياسية ومغامراته الحياتية، وما يثار عن شخصيته من تأويلات مختلفة، وألقابا شتى، ونعوتاً مختلفة، بعضها غير صالح للنشر، أستطاع أن يتوصل إلى حقيقة لم يكتشفها كبار المحليين السياسيين، وهو أن الحكومة العراقية لا يمكن أن تتشكل إلا بوجود الإطار التنسيقي. لكن مشكلته في رهانه الغريب الذي وضعه في حالة خسارته بأن يقدم "هايشتة" للرابحين؟!
ومن باب الإنصاف والموضوعية أقول بأن هذا السياسي الذي قيل عنه من "الرعيان" في الحياة والوظيفة والتعليم استطاع أن يفوز على العقول الاستراتيجية المتعلمة في رهان علم المستقبل، ويتنبأ بالصورة الصعبة للمشهد السياسي العراقي، وهو مشهد يبدو أن أزماته لا تحل إلا من خلال ثقافة البعران والهوايش، لأن ما يجري داخل منظومة الحكم نجاسة سياسية، وفناء للحياة، وتدمير للقيم، وانحطاط في الولاء والتبعية.               وعلى طريقة السياسي صاحب "الهايشة" في ابتكار فن صناعة الرهان، فقد حاولت البحث عن أغرب الرهانات التي حدثت في التاريخ السياسي، فلم أجد غير خسارة الاستقالة أو الخروج من الحزب أو ركون البيت للراحة حفاظاً على بقية العمر. وحاولت جاهداً أن أعثر على خبر لسياسي يقدم كلبه العزيز أو قطته الشقيّة للخصم الفائز، فلم أجد في بطون التاريخ إلا أخباراً لسياسيين قدموا باقات ورد لمعارضيهم بعد توقعاتهم الفاشلة، رغم أن معظمهم يمتلكون مزارع مواشي من كل الأنواع والأجناس والجنسيات.
والحق، أنني اكتشفت أيضا أن البقرة لها استخدامات في السياسة، ولكن على مستوى التشبيه وليس الرهان، والعمق وليس السذاجة. فقبل انهيار النظام الشيوعي أعترف الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف بتدني مستوى الإنتاج في الدول الاشتراكية فقال كلمته الشهيرة: "البقرة التي يملكها صاحبها تدر حليباّ أكثر من البقرة التي تملكها الدولة“.
بينما يرى غاندي بأن المستعمر الإنكليزي كان يستخدم البقرة لتعميق سياسة فرق تسد بين الهندوس والمسلمين، فيقوم بذبحها بين الطرفين من اجل إشعال الفتن والاقتتال بينهم. وقيل إن هذه البقرة المقدسة عند طائفة الهندوس سببت كوارث مجتمعية وسياسية، حيث عصفت بالهند الكثير من الحروب التي استمرت لسنوات بسبب إقدام البعض على ذبحها أو تناول لحومها. بل أصبحت هذه البقرة اللعينة جزءّ من الحياة السياسية، ورمزاّ لبعض الأحزاب. فأستعان حزب المؤتمر بصورة زوج من العجول كشعار انتخابي له في وقت مضى، وفي وقت قريب استعانت أنديرا غاندي، بصورة بقرة ترضع صغيرها كرمز للحزب. 
وقد ذُكرت في القرآن بسورة البقرة، وهي أطول سور القرآن الحاوية على الأحكام، حيث قصتها المعروفة مع النبي موسى وبني إسرائيل. ولها قصص مع العلم أيضاً، فقد أشارت دراسة علمية حديثة بأن الأبقار تستخدم صوتها لمساعدتها في التواصل مع أقرانها، والتعبير أيضا عن الحماس أو الارتباط أو الضيق وغيرها. كما استخدمت قرونها في الإعلانات وفي أدبيات السياحة. لكن سويسرا تنتج غالباً نوع من الأبقار دون قرون حفاظا على سلامتها ووقايتها من الإصابات والجروح. ولم تسلم البقرة من الذكاء الاصطناعي، فأصبح يراقبها في خطواتها، ويقدم تقريراّ مفصلاً عن أمراضها ونومها وطعامها وأمنياتها! وهناك من الاقتصاديين من أستخدم العبارة المجازية "بقرتان" ليمثلا مفهوم الاختلاف الثقافي. 
كما أستخدم الكتاب ورجال الإعلام والفكر التعبير السياسي الساخر (لديك بقرتان) في كتاباتهم ومقارباتهم وتحليلاتهم السياسية. فهناك من يرى بأن النظام الاشتراكي يطالب المواطن الذي يمتلك بقرتين، بأن يمنح لجاره إحداهما. وفي النظام الشيوعي، فأن الدولة تأخذ بقرتيك، وتعيد توزيعهما بالطريقة التي تراها مناسبة. ولك الحق في بعض الحليب الذي تنتجانه.
أما النظام الرأسمالي فعليك أن تبيع واحدة، وتشتري ثورا لكي ينموا القطيع وتقوم ببيعه وتتقاعد وتعتمد على الدخل. وفي النظام النازي والقمعي فأن الدولة تأخذ البقرتين وتعدمك. بينما في البيروقراطية فأن الدولة تأخذ البقرتين وتقتل واحدة وتحلب الثانية، وتسكب الحليب على الأرض. 
بينما انتشرت بين ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي قصة البقرة من باب التندر والدعابة الخبيثة للنظام العربي الذي يعتمد على وجود بقرتين عند المواطن العربي، إحداهما حصان، والأخرى بقرة تعطي الحليب للعدو ثم نشتريه من عنده بسعر أكبر! 
مرة كتبت عن البقر، وقلت: ما يقرأه العربي عن حياة البقر السعيد في اوربا، ودلالاها وحقوقها، ويقارنها مع حياته، فأنه يتمنى أن يكون بقرة أوربية. وقد وصلنا إلى مرحلة الإيمان القسري بأن بعض أوطاننا بحاجة إلى بقرة سويسرية تحكمنا وليس إلى بقرة بشرية عربية (رأي اليوم-1/7/2018)              
أما في العراق فأننا نقوم باستيراد البقرتين من هولندا فنلبسها عمامة أو عقالاً ثم نعطي الحليب سراّ للرئاسات الثلاثة والأحزاب لكي يموت الشعب من القهر والجوع، رغم إن مزارعنا السياسية فيها "هوايش" كثيرة دايحة!  
      [email protected]  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في