: آخر تحديث

  الاقتصاد مقابل الامن!

56
54
59

الحكومة الاسرائيلية الحالية لا تختلف عن كل الحكومات السابقة، والقاسم المشترك لا للدولة الفلسطينية، ولا للتفاوض مع السلطة الفلسطينية،..
وهي تتبنى إستراتيجية تقليص الصراع وحصره في سياق حقوق إقتصادية وخدماتية، بسلطة وظيفية ليس لها علاقه بالسلطات السيادية التي تحتكرها إسرائيل.

ومع هذه الحكومه بدأت تطرح رؤى ومقاربات بعيدة كل البعد عن الحلول السياسية، وكأنه لا يوجد صراع فلسطيني إسرائيلي، و لا يوجد شعب تحت الاحتلال له حقوق سياسية، ولا توجد قرارات شرعية دولية تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتدين كل صور الاحتلال والاستيطان. 

كل هذا ليس في حسابات هذه الحكومة، ومع ذلك لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل الوقائع والحقائق على الارض التي ترفض الاحتلال وتقاومه، وتتجاهل ان هنا شعب له هويته الوطنية والقومية، وعدده يزيد عن 14 مليون نسمة، والآلاف من أبنائه أسرى ومعتقلين،..وتتجاهل مقاومة هذا الشعب وتضحياته الذي يرفض سياسات الاذلال والاهانه الوطنية. 


وتحاول إسرائيل ان تستغل الحالة الاقتصادية التي تعانى منها السلطة الفلسطينية، فتقدم رؤية وحلا إقتصادياً مقابل الامن وليس السلام.
فوزير الخارجية لابيد، وفي لقاء له في معهد دراسات الامن القومي يتحدث عن سلامٍ إقتصادي شامل.
 وإلييت شاكيد وزيرة الداخلية تُعلن رفضها للدولة الفلسطينية، وتتحدث عن سلامٍ إقتصادي.
وبينت نفسه لا يرى أي فائده للسلام ويرفض حتى لقاء الرئيس عباس، ويرفض فكرة الدولة، وقال سنأتي بالسلام الاقتصادي، ولن ننسحب  ولن نسلم أراضي، وان دولة فلسطينية ستغرقنا باللاجئيين. 


ويبدو اللقاء الاخير للرئيس عباس مع غانتس الذي حاول أن يتجاهل كل التحذيرات الفلسطينية التى أراد الرئيس توصيلها مباشرةً، أنه بدون أفق سياسي، سيعاد النظر في كل الاتفاقات الموقع عليها مع إسرائيل لينحصر التركيز على البعد الاقتصادي والامني فقط، وعلى أهمية البعد الاقتصادي كأساس قوى لسلطة قوية. لكن هذا البعد يصبح بلا مضمون دون ربطه بالبعد السياسي، والتسليم به يعنى إعترافا وشرعنىة الاحتلال.


والسؤال، ما المقصود بالسلام الاقتصادي؟ وما أهدافه وآلياته؟ ولماذا تُصر إسرائيل على مقاربة الاقتصاد مقابل الأمن علماً ان صفقة القرن التي رفضها الفلسطينيون كان لها جانباً وبعداً سياسياً وتحدثت عن دولة فلسطينية؟ 


والسلام الاقتصادي يقترن بالنظرية الليبرالية وبمقومات الرفاهية وتحسين مستويات الحياة ومحاربة الفقر والبطالة وبتحسن مؤشرات الخدمات في كافة القطاعات الصحية والتعليمية والخدماتية وتحسن مستوى الدخل. 
وان هذه المحددات كفيلة بإحتواء العنف، وملخصها ان الانسان عندما يصل إلى هذه المستويات الاقتصادية يحاول ان يحافظ عليها، ولا يضحي بها من أجل العنف او الصراع، وأنها تؤسس لمواطن يقبل التعايش والسلام.
 ويرتبط بهذه النظرية أيضا في بعدها السياسي النظرية الديموقراطية، ومفادها ان النظم والقيم الديموقراطية لا تميل للحروب وتحل مشاكلها وخلافاتها بالحوار والتفاوض السلمي. 


هاتان النظريتان اللتان تتمسك بهما إسرائيل تبريراً وتهرباً من إلتزامات السلام والاعتراف أنها سلطة ودولة إحتلال، تعني ان الفلسطينيين غير مؤهلين للسلام في هذه المرحلة، وان السلام لكي يتحقق يحتاج لبنية إقتصادية ونظام سياسي ديموقراطي.

 وهي بذلك تلغى عامل الزمن. وهذه النظرة غير صحيحة. فالسبب في حالة التردى الاقتصادي وعدم ممارسة الديموقراطية والانتخابات، هي إسرائيل، بسبب سياسات الاحتلال التي تمارسها بأشكالٍ مختلفة. فهي تتعامل مع الشعب الفلسطيني على أنه كتله سكانية.
وهاتان النظريتان قد تصلحان في حالة الدول المستقلة والتي لا تخضع للإحتلال، لأن الاولوية تكون أولا لإنها الاحتلال.

ومن ناحية أخرى تحاول إسرائيل أن تستغل الوضع الاقتصادي للسلطة والرغبة في المحافظة على إنجازاتها المؤسساتية والادارية، فتقدم الاقتصاد أولا مقابل ان تقوم السلطة بوظيفتها الأمنية بمنع أي شكل من أشكال الكفاح المسلّح الذي تصفه إسرائيل بالعنف والارهاب. 

وهنا تجد السلطة نفسها بين نظرية فكي الكماشة. فمن ناحية الحاجه للمال الذي سوف ينقذ السلطة ويحافظ على ما حققته من إنجازات، والسلطة ليست مستعده للتضحية بها. 
ومن ناحية الاولويات السياسية بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وفتح أفق سياسي للتفاوض على أساس الدولة الفلسطينية والمرجعية الدولية. 

ومن هنا تأتي التحذيرات الفلسطينية المستمره من إنهيار الوضع السائد وإندلاع إنتفاضة شامله تعمّ كل الاراضى الفلسطينية.

ويبقى ان هذا المقاربة الاسرائيلية لا يمكن فهمها الا في إطار حكومة إسرائيلية غير قادرة، ولا تريد السلام، وأنها حكومة إستيطانية وترفض أي شكل للدولة الفلسطينية. 

هذه المقاربة تحتاج لتوجهات فلسطينية تقوم على الأولويات السياسية بإنهاء الاحتلال ووقف عنف المستوطنيين، وان تكون هناك رسالة قوية وواضحة انه لا بديل للسلام والمفاوضات على أساس الدولة الفلسطينية والشرعية الدولية، وأن التحذيرات الفلسطينية جدية وليست مجرد مناورة للضغط.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في