: آخر تحديث

انهيار العملة التركية وسياسة أردوغان

63
55
63
مواضيع ذات صلة

فقدت العملة التركية خمسين فالمئة من قيمتها هذا العام، مما جعل ملايين الأتراك من الطبقة المتوسطة، يشعرون كأنهم يتدحرجون جهة خط الفقر. وعلى الرغم، من أن الزيادات الحادة في الأسعار، كانت محسوسة أثناء انتشار الوباء، فهي لا تزال حتى الآن  طاغية، في جميع أنحاء العالم، وبسببها تضررت العديد من الاقتصادات الناشئة، لكن في تركيا، تضاعف تأثيرها عدة مرات، حيث تجاوز التضخم، في هذا البلد مستويات غير مسبوقة، متصاعدا حتى بلغ  عتبة 21 ٪ .
تنبع الأزمة النقدية التركية، في جزء كبير منها، من السياسات الاقتصادية  المعتمدة من طرف الرئيس التركي أردوغان. فبعد قرابة عقدين  في السلطة، أقال زعيم الحزب الإسلامي، تقريبا، كل من شغل منصبا رفيعا، في النظام الاقتصادي التركي، أو اختلف معه في قراراته غير التقليدية وغير المعهودة، وهكذا خلال سنوات حكمه، تمكن من إضعاف مؤسسات الدولة التركية، بشكل كبير، معتمدا سياسة تركيز المزيد من السلطات النافذة،  تحت إشرافه المباشر، والآن، كما يصرح المراقبون الأتراك، وصل إلى نقطة، حيث يسيطر على الاقتصاد بشكل شبه كامل، بحيث لم يعد يعارضه أحد في الائتلاف الحكومي.
كجزء من سياسته النقدية، مارس ضغوطا على البنك المركزي، لخفض أسعار الفائدة على الرغم من التضخم المتفاقم. فعادة ما يتم، تفعيل عكس هذا الإجراء، في حالات التضخم السريع، ترفع البنوك المركزية، أسعار الفائدة لتشجيع المستهلكين على الادخار، وتجنب الإقبال على القروض، وبالتالي تهدئة التضخم. لكن أردوغان دفع باتجاه أسعار فائدة منخفضة، وألقى باللوم، لما انفجرت الزيادات الهائلة في الأسعار، على تدخل الأطماع الأجنبية في الشؤون النقدية الداخلية، رغم أنه لم  يوضح هويتها، أو طبيعة تدخلها في الاقتصاد التركي.
يثير الانخفاض الكبير في قيمة الليرة، مخاوف من أن الأزمة، سوف تتعمق، وتتحول إلى عدم استقرار مالي كبير، ويحذر الاقتصاديون، أيضًا، من احتمال وقوع انقضاض جماعي على البنوك، أو أزمة كارثية في المديونية الداخلية، سيضع النظام الاقتصادي امام اكبر تحدي، يواجه المؤسسات المالية التركية منذ عقود.
نظرية الرئيس أردوغان وأنصاره، هي أن التقلبات، في سعر صرف الليرة هي  مؤقتة، وكلها جزء من استراتيجية طويلة المدى، لتشجيع الصادرات، وجعل الاقتصاد التركي يعتمد على الإنتاج والصناعة. ولهذا، يرحبون بفكرة تراجع قيمة العملة التركية، لتشجيع اقتصاد قائم على التصدير، على غرار اقتصادات شرق آسيا. ويقال ان الرئيس التركي، حبك هذه الاستراتيجية، كجزء من صراع أوسع، ضد الدول الغربية، التي يتهمها، بالرغبة في تقييد اقتصاد تركيا الجامح.
لكن هناك من يجادل، بإن الاستراتيجية، من المحتمل أن تفشل، لأن التضخم يضغط على المصدرين، الذين يتعين عليهم الآن، دفع المزيد مقابل الطاقة والمواد الخام  المستوردة. كما أن التقلبات الكبيرة، في قيمة الليرة تجعل عملية التسعير مستحيلة. ثم أن فكرة إضعاف الليرة، لتشجيع الصادرات، هي تغيير في الإستراتيجية مقارنة بالإستراتيجية السابقة، التي اعتمدها مسؤولون أتراك أقالهم أردوغان. حيث أنفق البنك المركزي، عشرات ملايير الدولارات، من احتياطيات النقد الأجنبي، في مدة محدودة وقصيرة ، لتحقيق الاستقرار في تقلبات قيمة العملة، ومن أجل كبح جماح تدهورها المتواصل.
في غضون ذلك، تمكنت البنوك التركية، من الصمود في وجه أزمة تدهور العملة. لكن الاقتصاديون يخشون، من أن يؤدي المزيد من إنهيار الليرة، إلى غضب شعبي، سيتهمها بالسبب في ذلك، أو أن تصل تركيا إلى حالة إفلاس، فيما يتعلق بديونها بالعملة الأجنبية.
إذن، انخفاض قيمة الليرة التركية، وتراجع بورصة اسطنبول، هو انعكاسا وعلامة على عدم الثقة، في الأسواق المالية التركية، نتج عنها سحب رؤوس الأموال، من قبل  الكثير من المستثمرين الأجانب. كما أنها، تشهد على فقدان مصداقية البنك المركزي في تركيا، وتزايد الشكوك، بشأن الاستقلال الحقيقي لهذا البنك، بعيدا عن هيمنة قرارات زعيم حزب العدالة والتنمية التركي الذي ما زال، على عكس ما ستوصي به الغالبية العظمى من الاقتصاديين في مكافحة التضخم، يؤيد بقوة  خفض أسعار الفائدة، رغم وشوك وقوع الكارثة. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من السياسة النقدية، بالطبع، إلى تحفيز الاقتصاد التركي على المدى القصير، ولكنه سيؤدي بدون شك إلى تسارع التضخم.
وهكذا، يمكن تلخيص، المعضلة التي تواجه الاقتصاد التركي في ما يلي: 
خفض أسعار الفائدة، من أجل تحفيزالاقتصاد، فيه خطر قتل القوة الشرائية، مع انهيار قيمة العملة المحلية بالكامل، وبالتالي تزعزع الاستقرار المالي. وفي حالة اللجوء، إلى زيادة أسعار الفائدة، للدفاع عن قيمة الليرة التركية، سيحد من تصاعد منحنى الانتعاش الاقتصادي، وبالتالي سيتراجع النمو بشكل مقلق وغير متوقع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي