: آخر تحديث

الاستفتاء وتبيّن الرشد من الغي

57
62
60
مواضيع ذات صلة

من محاسن الصدف أن موعد إجراء الانتخابات العراقية التشريعية المبكرة المرتقبة في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) القادم يأتي بُعَيد الذكرى الرابعة للاستفتاء الكوردي على استقلال إقليم كوردستان بحوالي أسبوعين (25/9/2017)، فهذه الصدفة كفيلة بأن تكشف للناخب العراقي كورديًا كان أو عربيًا أو غيرهما زيف وبطلان ما كان يدعيه القائمون على مغامرة الاستفتاء الطفولية غير المحسوبة العواقب والمدافعين عنها، باستغلالهم المواطن الكوردي البسيط وحماسه والقومي وسذاجة الكثيرين من العوام لتأييد فكرة لم تكن مستساغًة حتى داخل البيت الكوردي نفسه، ناهيك عن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، فضلًا عن عدم تهيئة الأجواء المواتية لها وانعدام إجماع على موعد تنفيذها.

الاستفتاء الذي لم يقدم ولم يؤخر شيئًا في قضية كورد العراق بل زاد الطين بلة في العلاقة بين بغداد وأربيل والدول الداعمة لعراق مركزي موحد، وأفقد الكورد الكثير من مكاسبهم المحققة قبل 2014، يحيي ذكراه الرابعة هذه السنة في ظل تناقض سياسي جذري بادي على توجهات مُنظّره وحامل رايته الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يسابق الزمن ويفعل المستحيل لإعلان عراقيته الخالصة والعودة إلى أحضان العاصمة التي كان ينفر منها و(يُطّلقها) في بياناته الموجهة آنذاك للاستهلاك المحلي، فهو اليوم في مقدمة الأحزاب الكوردية التي تدير حملاتها الانتخابية المحمومة أملًا في نيل عدد أكبر من المقاعد في برلمان الدولة التي كان ينعتها بـ(الجارة).

حملة دعاية الديمقراطي استعدادًا للانتخابات العراقية لا سيما في كركوك التي كان يدعي احتلالها ويتثاقل بعدم قبوله العودة إليها إلا كالمنتصرين، والمعطيات الحالية على الساحة، تحمل في طياتها حقائق بديهية تؤكد أن ما كان يروج له الحزب لحشد رأي الشارع لم يكن سوى ذر الرماد في عيون الرعية المستعضفة وإيهامها بتحقيق حلم الاستقلال عبر سياسية شعبوية داخلية غير مسؤولة وتخوين (كلّ من تسول له نفسه) الحديث سلبًا أو مخالفًا لما يبغيه.

وبعد أربع سنوات أصبحت الصورة واضحة وضوح الشمس، وتبين الوجه الحقيقي لهؤلاء فكل ما جرى لم يكن سوى خداع وإيهام وكذب وتسويف، فلا استقلال تحقق، ولا حدود حوفظ عليها، ولا مسؤولية عن المجازفة أُلقيت على أحد، ولا اعتراف من أحد بأن الجنون ركب رأسه، ولا شخص حوكم بتهمة التفريط والمقامرة بحقوق حوالي ستة ملايين كوردي، ولا إعتذار قُدم عمّا لحق بهم من معاناة وآلام وويلات، والأمور تسير وكأن شيئًا لم يكن.

من محاسن تزامن حدثي الانتخابات وذكرى الاستفتاء أيضًا أنه بيَن ماهية الحزب الداعي للاستفتاء وحقيقته، فقد بات جليًا للقاصي والداني أن ما أقدم عليه لم يكن إلا غوصًا في المجهول لم يجن منه إلا وخامة العاقبة، ولم يضرّ إلا الكورد في العراق، وهو الآن لا يجد حرجًا في إظهار عراقيته وتبرّئة ساحته مما حصل، ويحاول كل جهده العودة إلى العراق كيفما جاء وبأي ثمن كان، فصراعه وسعيه من أجل الحصول على منصب رئيس الجمهورية في 2018 وتعيينه أحد قيادييه وزيرًا لخارجية العراق ومحاولته جنى مناصب وزارية أخرى، وافتخار قادته بعراقيتهم علنًا، ومغازلته الأحزاب السياسية العراقية لنيل رضاها لا سيما الشيعية منها والتي كان يكن لهم العداء في ظاهريًا، كله ينم عن أهدافه الدفينة وتوجهه الصريح وتمسكه اللا متناهي بالعراق، في حين يُري المواطنين الكورد العادييين وجهًا آخر مختلفًا تمامًا يُظهر نفسه فيه كقومي من العيار الثقيل لدغدة مشاعرهم القومية ومداعبة قلوبهم الصافية ونياتهم البريئة مستعينًا في ذلك برسائل إعلامية خداعة لا يمكن لكوردي مؤمن بتاريخه وبحقوقه مقاومتها أو الوقوف ضدها.

غلو هذا الحزب في عراقيته جعله لا يتوانى أو يستحي من الإعتراف أمام مرأى ومسمع الجميع بإيوائه العشرات بل المئات ممن ارتكبوا أبشع جرائم الإبادة بحق بني جلدته من الكورد، لا لشيء سوى بيان انتمائه للعراق وطلبًا للصفح عند من هم في هرم السلطة في الدولة، واستجداءً لأصوات مناصريهم ومعظمهم من بقايا حزب البعث البائد.

لم يبق ليوم الانتخاب إلا القليل ولكن المستقبل القريب سيضمن الكشف عن حقائق أكثر حول نفاق من حاولوا تزيين صورتهم بخدعة الاستقلال، أما المصوت المخدوع فسيتخذ قراره وأمام عينيه الصندوق الانتخابي وضميره وأحلام الاستقلال الوردية المتلاشية وقد تبين الرشد من الغي.

*صحافي من إقليم كوردستان العراق


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي