قوة السعودية اليوم لا تأتي من اقتصادها، ولا من قرارها السياسي المستقل، بل تأتي من هذه اللحمة الوطنية التي تتجلى مع كل اختبار، ومن هذا الوعي الجمعي الذي يدرك أن الوطن أكبر من أي محاولة تشويه، وأن الثقة بالقيادة ليست شعارًا، بل تجربة عاشها السعوديون في كل تفصيل من تفاصيل نهضتهم الحديثة..
في كل التحولات الكبرى التي تشهدها الدول، هناك لحظات فاصلة تُشبه الإضاءة الكاشفة على مسرحٍ ظلّ فيه كثيرون يتخفّون خلف العتمة، ولعلّ لحظة إعلان منصة "إكس" عن إظهار الموقع الجغرافي للحسابات كانت أحد هذه المشاهد التي لم تُفاجئ السعوديين بقدر ما أكدت لهم ما كانوا يرونه ببصيرتهم قبل أن تقوله أي تقنية أو شاشة أو خوارزمية. فالوطن الذي اعتاد أبناؤه قراءة التفاصيل من بين السطور، لم يكن يومًا بحاجة إلى إثبات إضافي ليعرف أن الحملات المسيئة التي ادّعت أنها "من الداخل" لم تكن سوى أصوات مُعلّبة، تُدار من غرف مظلمة خارج الحدود، وتختبئ خلف أسماء سعودية زائفة لا تشبهنا في شيء.
لقد كانت الرسائل التي انهالت عبر تلك الحسابات تشبه بعضها حتى في الأخطاء ذاتها: لغة باردة بلا روح، لهجة مصطنعة لا تُحسن محاكاة نبض المجتمع، وتوقيت مدروس يُحاول اقتناص لحظات إنجاز أو تحوّل وطني ليزرع بينها بذور شكّ. ومع الكشف عن مواقع تلك الحسابات، بدا واضحًا أن "الحملة" لم تكن سوى أداة سياسية تحرّكها أجندات خارجية، تسعى إلى تشويه المشهد السعودي في اللحظة التي يشهد فيها أقوى تحولاته وأكثرها رسوخًا.
لكن ما حدث لم يكن مجرد انكشاف لأقنعة؛ لقد كان ـ وهذا هو الأهم ـ انكشافًا لقوة السعوديين عند لحظة الاختبار. فمنذ الساعات الأولى للتفاعل، ظهرت تلك الروح السعودية التي لا تتبدل: ثقة ثابتة، ووعي متقدم، وقدرة لافتة على التمييز بين النقد الحقيقي ومحاولات الهدم المقصود، لم ينجرّ الناس خلف الإثارة، ولم يسمحوا أن تكون المنصة الرقمية ساحة يُدار فيها مزاج المجتمع أو تُختطف فيها صورة الوطن.
السعوديون الذين عاشوا في السنوات الأخيرة تحولات تنموية واقتصادية وثقافية غير مسبوقة، يعرفون تمامًا أن كل مشروع كبير يستفز خصومه، ويُدركون أن الدولة التي أصبحت مركز ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة لن تمر خطواتها الطموحة دون أن تتعرض لمحاولات تشويش، فالسعودية اليوم ليست مجرد دولة تتقدم، بل دولة ترسم معادلات جديدة في المنطقة، وتبني لنفسها موقعًا مؤثرًا يجعل كثيرًا من الأطراف يعيد حساباته، ومن الطبيعي ـ نعم، الطبيعي ـ أن يستشعر البعض من الخارج ضيقًا أو قلقًا من صعود سعودي واضح، متكوّن من قيادة حازمة، ورؤية مستقبلية، ومجتمع واثق بذاته.
غير أنّ ما فات على أصحاب تلك الحملات هو أن السعوديين ليسوا مجتمعًا هشًا يمكن اختراقه ببضع تغريدات مجهولة، هذا وطن بُني على علاقة متينة بين القيادة والشعب، وعلى ثقة لم تهتز في أحلك الظروف، والمناعة الوطنية التي بدت جليّة في تفاعل السعوديين مع هذا الكشف التقني لم تكن وليدة اللحظة، بل تراكم طبيعي لسنوات من الوعي السياسي والاجتماعي، ولمسٍ مباشر لثمار التنمية، ورؤية واضحة لما يُنجز أمام أعينهم كل يوم.
ولعل المفارقة التي لا يدركها من يقفون خلف تلك الحملات، أن محاولاتهم ـ من حيث لا يشعرون ـ أصبحت شهادة على حضور السعودية وأهميتها، فالدول التي تُهمَّش لا تُستهدف، والدول التي تخبو لا تُشنّ عليها الحملات، والدول التي تتراجع لا تُقلق أحدًا. أما السعودية اليوم، فهي دولة تستحق أن تُستهدف فقط لأنها ناجحة، ومؤثرة، وماضية بثقة نحو موقع أكبر مما يتوقعه خصومها.
إن ما جرى لا يكشف عن حجم التضليل الذي كان يُمارس عبر منصات التواصل فقط، بل يكشف أيضًا عن الفارق بين وطن يُبنى على الحقائق، وأصوات تعمل بالظلال. وفي هذا الفارق تتجلى قيمة السعودية: دولة واضحة، وصريحة، ومباشرة في مشروعها. لا تحتاج إلى التخفي، ولا إلى "حسابات مزيفة"، ولا إلى صناعة رأي عام برّاق. فالمشهد السعودي اليوم يقدّم نفسه بالأرقام، والمشروعات، والاستثمارات، والتحولات الثقافية، وبحضور سياسي متوازن يصنع الفارق في المنطقة كل يوم.
وبينما يسقط الزيف مع أول ضوء، تبقى الحقيقة ثابتة كما يعرفها السعوديون: وطن عظيم، وشعب واثق، وقيادة تصنع المستقبل بيدٍ من حزم ويدٍ من بناء. لا تهزّه حملة مهما علا ضجيجها، ولا تربكه ادعاءات مهما حاولت التستر خلف أسماء وهمية، ولا يمكن لأي خطاب مضلّل أن يغيّر هذه الحقيقة.
إن قوة السعودية اليوم لا تأتي من اقتصادها فقط، ولا من قرارها السياسي المستقل، بل تأتي ـ أولًا ـ من هذه اللحمة الوطنية التي تتجلى مع كل اختبار. ومن هذا الوعي الجمعي الذي يدرك أن الوطن أكبر من أي محاولة تشويه، وأن الثقة بالقيادة ليست شعارًا، بل تجربة عاشها السعوديون في كل تفصيل من تفاصيل نهضتهم الحديثة.
نعم.. قد تتكرر الحملات، وقد تتغير أدواتها، لكن ما لن يتغير هو هذا الشعب الذي يقف في كل مرة ليقول للعالم كله: نحن هنا.. في وطن لا تهزه العواصف، ولا تنال منه الأقنعة، ولا تُحدِث فيه الضوضاء أثرًا. وطنٌ صلبٌ.. وشعبٌ صادق.. ورؤية لا يمكن لأي زيف أن يعترض طريقها.

