محمد خالد الأزعر
في معالجته لقضايا حيوية ذات تأثيرات استراتيجية بعيدة الغور، أظهر الرئيس الأمريكي ترامب قدراً من العقلانية والرشد، بما يخالف السمات والأوصاف السلبية، التي أفاض الكثيرون من قادة الرأي وعلماء النفس الاجتماعي والسياسي وفقهاء العلاقات الدولية، بل وبعض قراء لغة الجسد، في إضفائها على شخصيته.
كان مما قاله هؤلاء، أن ترامب نرجسي النزعة والهوى، يعشق ذاته ويرى نفسه إنساناً مثالياً، يعرف كل شيء ومنتصر دائماً ولا يفشل.. وأنه يميل للاندفاع والتهور في اتخاذ القرارات الخارجية، بناء على انطباعات ذاتية خاطئة..
هذه المعالم والمواصفات، التي تعرض بمجملها صورة لإنسان غير سوي، لا يؤتمن على دور أو مقعد القيادة في أي من مجالات المسؤولية، تبدو مثيرة للاستهجان، كونها تخص زعيم الدولة الأقوى عالمياً؛ المنوط به وبها التعامل مع ما يعز حصره من القضايا بالغة التعقيد، داخلياً وخارجياً؟!.
الأقرب للمنطق أن ترامب، والترامبية، نتاج لتحولات وتغيرات، تتفاعل وتعتمل في أحشاء هذا المجتمع.. تحولات تحتاج إلى تدبر معمق. إن حدث ذلك، فقد نكتشف موضوعياً أن الرئيس الأمريكي.
هو، مثلاً، استبعد منذ بداية ولايته الثانية، وما زال، فكرة تزويد الأوكرانيين بصواريخ توماهوك المجنحة، التي تمكنهم بمدياتها (ما بين 1600 إلى 2600 كم) من إصابة أهداف استراتيجية في عمق الأرض الروسية. وكانت ذريعته في البداية «عدم التخلي عن أشياء نحتاجها لحماية بلدنا»..
كأن ترامب، بقراره هذا، قدم نموذجاً لتجاوز العمل المؤسساتي، باعتباره أعرض عن موافقة صقور البنتاجون ومجمعات الصناعات العسكرية وطرحها جانباً.. لكنه وضع عينه على ما يمنع استدراج دولته لاستفزاز الجانب الروسي والوصول معه إلى «حافة الهاوية».
نحن هنا بصدد تصرف رأس دولة عظمى، معني بمراعاة محددات وتوازنات القوة الصلبة الضابطة، بلا استخفاف، للعلاقة مع المزاحم الأول على قمة النظام الدولي، ثم إن هذا التصرف، ينسجم تماماً مع قناعة، ما انفك ترامب يرددها على الملأ، مفادها أن أوكرانيا ربما لن تنتصر في الحرب.
بخلاف التزام ترامب بكبح جماح التغلغل في الأزمة الأوكرانية، ومقاربة أطرافها بحسابات تتنافى مع العشوائية والمزاجية، هناك أمثلة أخرى على قدراته في «التفاوض والمناورة»، والصعود والهبوط بسقوف الأهداف، على وقع المصالح الأمريكية، مع منافسين واعدين على صعيد المكانة العالمية، اقتصادياً بالذات، كالصين والهند..

