اختراق في الوعي قبل أن يكون تعاونًا على الورق هكذا يمكن توصيف الشراكة بين جريدة الرياض وجريدة الشعب الصينية؛ لأنها لا تتعامل مع الإعلام بوصفه وسيلة نشر، بل باعتباره قوة استراتيجية تصنع الصورة الذهنية، وتبني الثقة بين الأمم، وتؤطر التحولات الكبرى في العالم بلغة يفهمها العقل وتتفاعل معها الشعوب.
لقد أدرك الطرفان أن المستقبل يكتب بالشراكات العميقة التي تجمع بين المعرفة والمصداقية والتأثير ومن هنا، جاءت هذه الخطوة بوصفها جزءًا من هندسة جديدة للمشهد الإعلامي الدولي، حيث تنتقل الصحافة من موقع «المتابعة» إلى موقع «الشراكة» في بناء العلاقات بين الدول، ومن دور «الناقل» إلى دور «المفسر» و«المؤثر» في الرأي العام العالمي.
هذه الشراكة لا تقرأ بمعزل عن السياق السياسي والاقتصادي الأوسع، فالمملكة تمضي بثبات في تنفيذ رؤية 2030، التي جعلت من الإعلام شريكًا في تعزيز القوة الناعمة وبناء الحضور الدولي، كما جعلت من الصحافة منصة لرواية قصة التحول السعودي للعالم باحترافية وعمق وفي المقابل، تتحرك الصين عالميًا عبر مبادرة الحزام والطريق، التي لم تعد مجرد مشروع بنية تحتية، بل مشروعًا حضاريًا متكاملًا يربط الاقتصاد بالثقافة، والتجارة بالمعرفة، والممرات البحرية بالممرات الإعلامية.
وعند نقطة التقاء هذين المشروعين – رؤية 2030 والحزام والطريق – يظهر الإعلام بوصفه العامل الحاسم في تفسير هذا التقارب وصياغته للرأي العام فالشراكة بين “الرياض” و“الشعب” تمثل جسرًا استراتيجيًا بين أكبر دولة عربية ثقلًا وتأثيرًا، وأكبر قوة آسيوية تطوراً وتنمية وهي شراكة لا تكتفي بتبادل الأخبار، بل تسعى إلى إنتاج محتوى تحليلي مشترك، وفتح منصات متعددة اللغات، وتقديم سرديات متوازنة للعالم بعيدًا عن الهيمنة الإعلامية التقليدية.
إن أهمية هذه الخطوة تتجاوز المهنية إلى صناعة نموذج جديد للإعلام الدولي: إعلام لا ينتظر الحدث ليتفاعل معه، بل يصنع الفهم الذي يسبقه، ويهيئ الأرضية الذهنية للتقارب السياسي والاقتصادي والثقافي فحين تتقارب الصحف الوطنية الكبرى، تتقارب معها الشعوب، وتتسارع فرص التعاون، ويصبح الإعلام ذراعًا من أذرع الدبلوماسية الناعمة التي تصنع الاحترام قبل الاتفاقات.
إن ما يجمع “الرياض” و“الشعب” اليوم هو إدراك عميق بأن الكلمة أصبحت بنية تحتية لا تقل أهمية عن الطرق والموانئ، وأن المعركة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين هي معركة الرواية ومن يمتلك القدرة على رواية قصته، يمتلك القدرة على رسم مكانه في العالم.
وهكذا لا يمكن النظر إلى هذه الشراكة كصفحة في التاريخ الإعلامي فقط، بل كبداية فصل جديد من صحافة المستقبل: صحافة تصنع الجسور، وتبني الثقة، وتكتب التاريخ.