ناهد الأغا
عشتُ في المملكة ثلاثين عامًا ولله الحمد والشكر وكل عامٍ يحملُ نبضًا جديدًا للمعرفة والثقافة، كنتُ أتابع خطوات معرض الرياض الدولي للكتاب، وقلبي ينبض بين رفوف الكتب.
ورغم بساطة حضوري آنذاك، لكني شعرت أن هناك نافذة للعالم، نافذة للمعرفة، تفتح أمام كل من يحب القراءة ويبحث عن بصيص من الضوء بين الصفحات.
أصوات الزوار تتقاطع، رائحة الورق الجديد تمتزج بالدفء والأرفف المليئة بالكتب كأنها دعوة للخيال.
الكلمات التقت بالقلوب، والقراء بالمبدعين، وكانت لحظة شعرت فيها بأن رحلة طويلة من الفكر والإبداع بدأت، رحلة يملأ فيها الكتاب قلب كل قارئ بالحياة.. مع كل دورة، نما المعرض وتوسع، تحوّل من إلى مهرجان ينبض بالأدب والفكر والفن، فضاء للحوار، منصة للأفكار، ومساحة تتلاقى فيها العقول وتتقاطع فيها الرؤى.
رأيت الطالب الذي جاء لشراء كتاب مدرسي يخرج وهو يحمل ديوان شعر أو رواية تلهمه، والفتاة الصغيرة التي ترافق أسرتها تعود بعد سنوات لتوقع كتابها في المكان نفسه.. المرأة الكاتبة والباحثة ذات حضور دافئ تحمل صوتها وأفكارها، تشارك في الورش والندوات، تلهم الأجيال القادمة.. والطاقات الشابة تتنقل بين الأجنحة، فضولها للمعرفة يشع من عيونها، وكأن كل كتاب بداية لعالم جديد..
المعرض صار ذاكرة حيَّة، توثّق التحولات الفكرية والاجتماعية للمجتمع السعودي ليصبح اليوم جسراً عالمياً، يربط المملكة بالعالم، إذ تجتمع دور النشر والمفكرون والأدباء من كل القارات، لتصبح الرياض منصة للحوار الحضاري، ومساحة لتبادل الخبرات، ونافذة على المعرفة الرقمية التي تقرب كل كتاب لكل من يسعى للتعلّم والاستكشاف.
تجربة الزائر بمثابة رحلة ممتعة، مليئة بالمفاجآت: اختيار الكتب، حضور الندوات، المشاركة في الورش، والتفاعل مع الفعاليات الثقافية.
الناشر يرى كتبه تتحول إلى حكايات تتجاوز الصفحات، لتصبح جزءًا من ذاكرة جماعية حيَّة، وكل توقيع، كل ابتسامة، كل نقاش، يضيف للحياة روحًا جديدة.
الحضور النسائي أصبح شعلة مضيئة، الكاتبات والباحثات في الورش والندوات، يصنعن حراكًا معرفيًا مستدامًا. المرأة السعودية اليوم تلهم الأجيال القادمة، مؤكدة أن الثقافة أساس التطور والوعي.
فكل دورة هي انعكاس لرؤية طموحة تجمع الإبداع والمعرفة والثقافة وكل زيارة هي رحلة معرفية متكاملة، وكل كتاب يحمل بصمة جديدة.
والبعد الدولي صار أعمق، مع مشاركة دور نشر عالمية كبرى، واستضافة مفكرين وأدباء عالميين يحملون الجوائز والأفكار، ما جعل المعرض جسرًا ثقافيًا يربط المملكة بالعالم، ندوات عن الترجمة، مستقبل القراءة الرقمية، وصناعة النشر.
رأيت التكنولوجيا تحتضن الثقافة، وتطبيقات ذكية ترشد الخطى، تنظم الفعاليات وتقرب الكتب الرقمية والصوتية كأن كتاب يحمل رسالة للحياة.
نعم تؤكد المملكة اليوم موقعها كمنارة معرفية وثقافية في المنطقة والعالم و المعرض يعكس رؤية طموحة لدعم الإبداع والفكر، ويظهر التزامًا بتطوير مجتمع قارئ ومثقف، وتشجيع المواهب الشابة، ودعم المرأة الكاتبة والباحثة.
وكل عام، عندما أعود إلى أروقة المعرض، أشعر بأنني أعيش لحظة جديدة، وأن الثقافة تجربة حيّة تلهم كل جيل، وتجعل المملكة تتصدر خريطة الأحداث الثقافية العالمية بكل قوة وثقة.
شكراً للمملكة، أرض العطاء والمعرفة، شكراً لمعرض الرياض الدولي للكتاب. شكراً لكل شخص يقرأ، يكتب، يفكر. لكل مثقف يحمل شعلة المعرفة، وينير طريق الإبداع. شكراً لكم جميعًا، لأنكم تجعلون الثقافة حيَّة، والإبداع نورًا ينتقل بين الأجيال.