سارا القرني
لم يعد «الشبو» مجرد مادة مخدّرة تُباع خلسة في الزوايا المظلمة، بل أصبح شبحاً يتسلل إلى العقول قبل الأجساد، ينهش الوعي ببطء، ويمزّق الأسر كما لو أنَّه إعصار خفيّ لا يُرى، لكنه يخلّف وراءه دماراً لا يُرمّم.
«الشبو»، أو ما يُعرف بـ«الميثامفيتامين»، مادة كيميائية قاتلة تُحدث في متعاطيها اضطراباً ذهنياً حاداً، وتمنحه وهماً بالقوة، وسعادةً زائفة لا تدوم سوى لحظات، ليبدأ بعدها الانحدار إلى هاويةٍ لا عودة منها.
يبدأ التعاطي بجرعة «تجربة»، فيتحول إلى إدمانٍ لا يُشفى، ثم إلى جريمةٍ أو مأساةٍ تنتهي غالباً بانتحار أو جنون أو جريمة قتل. كم من أمٍّ فقدت ولدها بعد أن استبدلت ابتسامته نوبات هياجٍ وشرود! وكم من شابٍ كانت له أحلام تصنع مستقبلاً مشرقاً، فتحول إلى ظلٍّ تائهٍ في الشوارع، بلا وعي ولا هدف، يطارده سرابٌ صنعته حبيبات الشبو.
قصص كثيرة مؤلمة تروى في كل بيت، ودموع أمهات لم تجفّ بعد، تروي حكاية أبناءٍ احترقوا بنار «الجرعة الأخيرة». الشبو ليس مجرد مخدرٍ يُفقد التوازن الجسدي، بل مادة تسرق الروح، وتشوّه الوجدان، وتزرع في النفس وحشاً لا يرحم. يجعل المتعاطي عدوانياً، فاقداً للإدراك، لا يعرف من حوله، ولا يدرك حجم الخراب الذي يتركه في بيته ومجتمعه.
وقد أظهرت الدراسات أن الشبو يدمر الجهاز العصبي، ويسبب الهلاوس السمعية والبصرية، واضطرابات عقلية لا يمكن علاجها بسهولة. لكن رغم قسوة هذه الحقيقة، تقف المملكة العربية السعودية سداً منيعاً أمام هذا الوباء.
وزارة الداخلية، بأذرعها الأمنية المختلفة، تقود حرباً شرسة ضد المروجين والمهرّبين، لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً. وفي كل مرة يُعلن فيها عن عملية ضبط جديدة، تتجدد ثقة المواطنين برجال الأمن الذين يحمون أبناء هذا الوطن من مصيرٍ أسود.
ففي الأشهر الماضية فقط، أعلنت «الداخلية» عن إحباط عدة محاولات لتهريب كميات ضخمة من مادة الشبو عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية. منها ما أُخفي بطرق مبتكرة داخل شحنات تجارية أو مواد غذائية، إلا أن يقظة رجال الأمن حالت دون وصولها إلى فئة الشباب.
هذه الحملات الأمنية ليست مجرد إجراءات ضبط، بل رسائل حازمة لكل من يحاول العبث بعقول أبناء هذا الوطن.
فالأمن لا يحمي الحدود فحسب، بل يحمي الإنسان، وهو أغلى ثروات المملكة. ومع كل هذا الجهد، يبقى الدور المجتمعي لا يقل أهمية.
فالأسر هي خط الدفاع الأول، والمدارس هي سلاح الوعي، والمساجد منابر التوعية. علينا أن نُحصّن أبناءنا بالمعرفة، وأن نكسر حاجز الصمت حول هذه القضايا الخطيرة. فالإدمان لا يبدأ في الشارع، بل في لحظة ضعف، وفي غياب التوجيه. ولذا يجب أن نعلّم أبناءنا أن الرجولة ليست تجربة خطر، وأن القوة لا تُقاس بما يُدمر الجسد والعقل.
القوة الحقيقية هي أن تقول «لا»، أن تحافظ على نفسك، وعلى من تحب. الشبو ليس مجرد مخدر، بل هو حرب على الوعي، ونحن جميعاً جنود في معركته. لن نربح هذه الحرب إلا إذا اجتمع الأمن بالوعي، والردع بالرحمة، والعقوبة بالاحتواء.
وحينها فقط، سنصحو على وطنٍ لا يخاف على أبنائه، لأنهم محصنون بالحب، والوعي، والانتماء.