محمد ناصر العطوان
عندما قرأتُ «سورة لقمان» في القرآن الكريم، بدأتُ أتساءل كيف يُمكن لوصايا إنسان من 3000 سنة أن تصلح لعصر التيك توك؟ ولا أدري لماذا تخيلتُ لقمان الحكيم يعيش في عصرنا... رجل ليس نبياً ولا رسولاً، لكنه «حكيم». بالمنطق الحديث لبعض الناس كان يمكن أن يكون «لايف كوتش» أو «مؤثر روحي» على اليوتيوب!
لكن القرآن الكريم خصص له سورة كاملة (سورة لقمان) تتلى إلى يوم القيامة من أجل وصاياه لابنه، والتي كانت مؤثرة جداً لدرجة أنها كما صلحت لعصره، فهي أيضاً تصلح لعصرنا الحالي، وسوف تصلح لعصور قادمة. فتعالوا نتعرّف على هذه الوصايا، وكيف يمكن تطبيقها في 2026/2025 حسب تقويم وزارة التربية.
الوصايا الأساسية للقمان الحكيم والتي يمكن اعتبارها الإصدار 1.0 من تطوير الإنسان والذات، هي:
أولا: «يا بني لا تشرك بالله»، والتي تدعو إلى التوحيد الخالص لله من غير شرك، وأن تكون عبداً لله فقط وليس عبداً لكل ما سواه، فتطبيقاتها في 2025 تتمثل في الحذر من عبادة الشهرة على إنستغرام والمادة على تيك توك، والحذر كل الحذر من أن تكون روحانياتك مرتبطة بلايكات أو شيرات... لأنه حسب الدراسة المقدمة من منظمة الصحة العالمية، فإن 70 في المئة من قلق الشباب بسبب المقارنة الاجتماعية على السوشيال ميديا.
ثانيا: «ووصينا الإنسان بوالديه»، وهذه الوصية يُمكن اعتبارها (أول حملة براندنغ للعائلة في التاريخ) فالوصية توصي ببر الوالدين حتى لو لم يكونوا مسلمين! فكيف لو كانوا مسلمين؟ فعليك ألا تتذمر من والدتك والتي مازالت تعيش مع ذكريات جيل الثمانينات، ولا تتأفف من والدك الحريص على دراستك ومَنْ تصاحب ومتى تعود للمنزل.
واعلم أنه حسب الإحصائية التي نشرتها دراسة جامعة هارفارد فإنها تؤكد أن العلاقات الأسرية القوية تزيد معدل السعادة 60 في المئة.
ثالثا: «يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل... يأتِ بها الله». أما هذه الوصية فيمكن اعتبارها (أول نظام مراقبة داخلي في التاريخ)، فكل صغيرة، حتى تلك التي أصغر من أن تُرى، يراها الله. أما شكل تطبيقاتها في 2025 فربما يحذّرك من الاستسهال والاسترسال في الكلام عن الناس والنميمة، أو الحذر من أن تُنشئ حساب «فايك» من أجل نشر الإشاعات أو عمل مقالب في الناس، أو استخدام الذكاء الاصطناعي لصناعة صورة مشوهة لمديرك أو زميلك ونشرها.
رابعا: «واقصد في مشيك»، وهذه الوصية يُمكن اعتبارها (أولى نصائح الـ Body Language) وأعلم يا راعاك الله أن التواضع في المشي وعدم التبختر مما يرضي الله، وليس هناك مبرر أن تمشي في المول وكأنك مالك الشركة (إلا لو كنت مالكها فعلاً).
وأعلم أيضاً أن بوستات التواضع على «لينكد إن» تجعلك تحصل وظائف أكثر من البوستات المغرورة، وحسب كلام خبير لغة الجسد الحاج محمود الدوغري فإن المشية المتواضعة تجذب الناس أكثر من المشية المغرورة.
خامساً: «واغضض من صوتك»، وهذه الوصية أيضاً يمكن اعتبارها (أول حملة ضد التلوث السمعي) خفض الصوت يساعد على تنظيم الأفكار بالنسبة لك، ويساعد على أن يفهمك الآخرون.
وهناك إحصائية منتشرة في الإنترنت ولا أعلم مدى مصداقيتها تقول إن 80 في المئة من النزاعات في العمل بسبب نبرات الصوت العالية (دراسة Forbes 2023).
عزيزي القارئ، يأمر لقمان الحكيم ابنه بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيبه ويقوله له إن كل ذلك من عزم الأمور. وهي وصايا جوهرية لكل أب ولكل أم يريد فعلاً أن يُربي أبناءه لكل عصر وكل زمان..سواء العصر الحجري أو عصر الإنترنت.
والأعجب أن وصايا لقمان كما هي موجودة في القرآن فهي موجودة أيضا في اليهودية وفي المسيحية، لأهميتها ودورها المهم في تربية الشعوب والأمم. ولكن يبدو أن نتنياهو وترامب لم يقرؤوها!
أما أنت عزيزي القارئ، فيمكن لك أن تبدأ بنفسك، لتحوّل وصايا لقمان إلى دليل عملي لحياتك، فتبدأ بإقامة الصلاة، وأن تأمر نفسك وزملاءك في العمل بالأشياء الحسنة، وأن تنهى عن المنكر وترفض «الشير» للأخبار الكاذبة والمضللة حتى لو كانت تدعم رأيك، وتخصص وقتاً لوالديك، ربما عشاء عائلي أسبوعي من دون استخدام تلفونك والتصفح على السوشال ميديا، وتسألهم عن قصص شبابهما وتنصت لهما، وأن تتخلى عن عنصريتك وتبخترك في مشيتك وعلو صوتك مع مَنْ تختلف أو تتفق معهم.
عزيزي القارئ، هذه الوصايا ليست مجرد كلمات قديمة... بل أسلوب حياة يتمثل في التوحيد وبر الوالدين والتواصل الحقيقي في زمن الافتراضي والمراقبة الذاتية في زمن أخلاقيات الرقمي و التواضع في زمن العنصرية وخفض الصوت في زمن الضجيج.
فـأسال الله أن نكون جيلاً يفهم كلام لقمان، ويطوّعه في عصر الميتافيرس والذكاء الاصطناعي.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.