: آخر تحديث

محمد الغزالي وصديقه «مفتي الإرهاب»

1
1
1

سأكملُ عدَّ التدليسات والمغالطات في الهجوم المتأخر الذي شنّه الشيخ محمد الغزالي على «النظام الخاص» في جماعة «الإخوان المسلمين» في كتابه «من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي».

مدبّر اغتيال المهندس السيد فايز عبد المطلب، الذي له سوابق إرهابية، بطردٍ ناسف، هو المسؤول الأول في «النظام الخاص» عبد الرحمن السندي. وقد شارك معه في هذا التدبير من معاونيه من قيادات «النظام الخاص»: محمود الصباغ وأحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن.

جبهة المعارضة لاستخلاف حسن الهضيبي مرشداً لـ«الإخوان المسلمين» بقيادة صالح عشماوي، وبمعاضدة من الشيخ محمد الغزالي، كانت متحالفة مع عبد الرحمن السندي، ومع معاونيه، للقيام بانقلاب على سلطة حسن الهضيبي، وتولية صالح عشماوي في مكانه مرشداً عاماً لـ«الإخوان المسلمين». واغتيال السيد فايز لسبب ذكرناه في المقال السابق، كان من تداعيات الصراع المحموم بين عبد الرحمن السندي وحسن الهضيبي.

مجلة «الدعوة» التي صدرت في 30 يناير (كانون الثاني) 1950، والتي كان صاحب امتيازها ورئيس تحريرها صالح عشماوي، يسجل لنا ريتشارد ميتشل في كتابه «الإخوان المسلمون» موقفها المتواطئ مع هذا العمل الإرهابي، فيقول: «إن مجلة الدعوة التي أسفرت آنئذ عن نفسها بصراحة عن كونها لسان حال معارضي الهضيبي لم تشر إلى مقتل فايز!». وألفت النظر إلى أنه بعد اغتيال السيد فايز، مع فصل مكتب الإرشاد لعبد الرحمن السندي ومعاونيه الثلاثة استنكرت قرار الفصل وشجبته بقلم رئيس تحريرها صالح عشماوي.

السبب الحقيقي لقرار فصلهم، الذي تكتم عليه حسن الهضيبي، هو كما يقول ميتشل: «أن فايز قد قتل بيد واحد من الأربعة الأعضاء في الجهاز السري أو بواسطتهم جميعاً أو بأمر منهم».

الشيخ الغزالي في ذلك الهجوم على «النظام الخاص» قال هذه العبارة: «وتحولوا إلى أداة تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الإسلام!».

الشيخ الغزالي قال هذه العبارة مع علمه بأن «فقيه النظام الخاص» أو «فقيه إرهابهم» هو صديقه الحميم الشيخ سيد سابق الذي هو من خاصة خلّانه في «الإخوان المسلمين».

إن الذي ضم الشيخ سيد سابق محمد التهامي إلى «النظام الخاص» وعيّنه مفتياً لقادته ولأفراده هو الشيخ حسن البنا.

كتابه «فقه السنة» منذ صدور جزئه الأول بمقدمة البنا، هو كتاب الفقه المعتمد عند «الإخوان المسلمين» في مصر وفي خارج مصر حتى بعد قرار فصل من «الإخوان المسلمين». الشيخ سيد سابق بعد أن اعترف عليه قاتل محمود فهمي النقراشي، الطالب في السنة الثالثة بكلية الطب البيطري في جامعة فؤاد الأول، عبد المجيد أحمد حسن، بأنه هو من أباح له قتل النقراشي، حاز من النيابة العامة على لقب «مفتي الدماء»، وهو اللقب الذي تردد في الصحف المصرية وقتذاك. وبحسب ريتشارد ميتشل، فإن هذا اللقب استعمله بعض أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين».

اعتماداً على تقرير المحكمة، التي قاضت المتورطين في قتل دولة النقراشي باشا، الذي أصدرته في كتاب في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1949، يقول ميتشل: «لمع اسمان أثناء نظر القضية، الأول سيد سابق وهو شيخ أزهري شاب بدا وكأنه الملهم الروحي للحادث، إذ اعتبر حل النقراشي لـ(الإخوان المسلمين) بمثابة اعتداء على الإسلام، مثله مثل إغلاق مئات المساجد، كما اتضح أنه كان مصدر الإشاعة القائلة إن المركز العام للجمعية (يستخدم ميتشل اسم جمعية لا جماعة، وقد لاحظت أنه في المرافعات القانونية في تلك المحكمة يستخدم اسم جمعية) سيحوّل إلى مركز شرطة، يخصص لإصدار رخص الدعارة!».

الشيخ سيد سابق حين النظر في قضية مقتل النقراشي كان عمره 35 عاماً.

يذكر صديقه وصديق الغزالي، خالد محمد خالد، في سيرته الذاتية «قصتي مع الحياة»، أن عبد الرحمن السندي طلب من الشيخ سيد سابق فتوى باغتيال الهضيبي، واستأناه الشيخ حتى يفكّر!

الشيخ سيد سابق كان من جبهة المعارضة لزعامة الهضيبي على «الإخوان المسلمين». ومعه صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال، فصلهم الهضيبي بسبب تحالفهم مع عبد الرحمن السندي، بغية إجباره على تقديم استقالته من منصب المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين».

الشيخ سيد سابق والشيخ الغزالي كانا من الفريق «الإخواني» الذي كان يرى وجوب التعاون مع رجال الثورة من دون الوصاية عليهم، كما هو شرط الهضيبي للتعاون معهم. وقد تقلد الاثنان مناصب مرموقة في إدارات وزارة الأوقاف.

يحكي محمد البهي الذي تولى وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر من 29 سبتمبر (أيلول) سنة 1962 إلى 25 مارس (آذار) سنة 1964، في سيرته الذاتية «حياتي في رحاب الأزهر» قصة غير ظريفة عن الشيخين، فيقول: «وفي وزارة الأوقاف كان هناك جهازان آخران للدعوة: إدارة الثقافة والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. أما إدارة الثقافة فكان الاعتماد المخصص بها، وهو قرابة 20 ألفاً من الجنيهات في العام، يصرف في عدد معين من الكتب: وكان النصيب الأوفر من هذا الاعتماد ينفق في شراء (فقه السنة) وبعض كتب أخرى للشيخ محمد الغزالي، وقد ابتدعت إدارة الثقافة ما أسمته بـ(مكتبة المساجد). وهي عبارة عن مخازن الأضرحة، أو في المساجد: تحفظ فيها الكتب المشتراة. وكانت (مكتبة المساجد) هي المبرر للشراء المتكرر من نفس الكتب التي اشتريت في عام سابق. وقد أوقفت صرف الشراء في أي كتاب إلا بعد العرض علي».

في ذلك التاريخ الذي قدم البهي فيه إلى الأوقاف وشؤون الأزهر وزيراً، كان الشيخ سيد سابق يشغل منصب مدير إدارة الثقافة، وكان الشيخ محمد الغزالي يشغل منصب المشرف على سكرتارية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

صاحب الشيخ محمد الغزالي، صالح عشماوي، وقد قادا معاً الثورة على حسن الهضيبي، كان هو أول رئيس لـ«النظام الخاص». ومع أن عبد الرحمن السندي خلفه في هذا المنصب فإنه بقي له دورٌ خاص، وهو تلقي «البيعة» من العضو الجديد في «النظام الخاص».

يقول قاتل النقراشي، عبد المجيد أحمد حسن، في شهادته أمام المحكمة: «قابلنا عند الباب شخصاً اسمه عبد الرحمن السندي، وصعدنا إلى الطابق الثاني، ودخلنا غرفة مظلمة ثم دخلنا في غرفة فرداً فرداً، وكان في الغرفة شخص ملثم. وهو الشخص الذي تلقينا عنه (البيعة)، وقد عرفت هذا الشخص من صوته ومن حجمه، ومن هيئته العامة، إذ كان ملتحياً، إنه الأستاذ صالح عشماوي وكيل جماعة (الإخوان) ومدير جريدتها».

ويعلق على هذه المعلومة، قائلاً: «وأحب أن أقول إن هذه (الجمعية السرية) أو (النظام الخاص)، كان موجوداً برغبة المركز العام، بدليل أن الشخص الذي تلقيت عنه (البيعة) هو وكيل الجمعية... وقد قال لي عبد الرحمن السندي: إن هذا الشخص هو الصلة بيننا وبين الأستاذ حسن البنا، وقد أراد بذلك أن يثبت أن هذا النظام خاضع للنظام العام».

كان خاتمة الأسطر التي اقتبستها في المقال السابق من كتاب الشيخ الغزالي «من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي» هي قوله: «وقد قال حسن البنا – قبل أن يموت – إنهم ليسوا إخواناً ولا مسلمين».

لو كنت لا تعلم أن البنا لم يمت حتف أنفه، لظننت أنه قالها قبيل أن تحضره الوفاة!

إن استشهاد الغزالي القديم بهذه الكلمة منزوعة من سياقها السياسي لا يختلف بشيء عن الاستشهاد بها في تاريخ متأخر عن عقد الستينات الميلادية على أنه قالها وهو صادق وليس مخاتلاً في قولها. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد