الأزمة التي تواجه أكبر شركة بريطانية لصناعة السيارات تضع كير ستارمر في مفترق طرق للتعامل مع «مطبات» عصر الإنترنت. فقد أجبر هجوم سيبراني قبل أسابيع شركة «جاغوار لاندروفر» على تعطيل مصانعها حول العالم، وخسارة نحو 25 ألف سيارة وأكثر من 1.7 مليار جنيه من العائدات، بجانب فقدان أرباح بملايين الجنيهات. وتوظف الشركة نحو 33 ألف عامل في البلاد، إضافة إلى نحو 200 ألف وظيفة أخرى في سلسلة التوريد، معظمها في شركات وورش وخدمات صغيرة ومتوسطة أثَّر التعطيل على تدفق السيولة النقدية بشكل يهددها بالإفلاس عند توقف دخلها.
معضلة الحكومة «العمالية» أن عدم التدخل قبل موجة الإفلاسات سيضعف قطاع السيارات ربما للأبد، بينما التدخل المباشر قد يشكل سابقة تهز ثقة المستثمرين. حكومة ستارمر مترددة في تكرار سياسات الإنقاذ المكلفة التي اتخذتها حكومة «المحافظين» في أثناء إغلاق وباء «كوفيد - 19». الواقع الاقتصادي مقلق لحكومة عمالية؛ فالموردون الذين يفلسون بسبب السيولة اليوم سيغيبون عند إعادة التشغيل، وإعادةُ بناء القدرات الصناعية أصعب من حمايتها مؤقتاً.
البعض يقترح أن تقوم الحكومة بشراء قطع الغيار من الموردين حتى عودة «جاغوار لاندروفر» إلى العمل، بما يضخ سيولة فورية للموردين. لكن هذه الخطة تواجه أسئلة عملية: تكاليفُ التخزين، وعدم التوافق بين ما يُنتَج اليوم وما قد تحتاج إليه الشركة غداً، إضافة إلى خسارة شراء مخزون قد لا يُستخدَم. وهناك خيار تأجيل دفع الضرائب أو إعادة جدولة مهلة التحصيل مع مصلحة الضرائب، وهو حل مؤقت لا يحل المشكلة نهائياً. أما الضمانات الحكومية للقروض عبر البنوك، فهي قد تساعد الشركات الكبرى، لكنها غالباً تستثني الشركات الصغيرة التي تفتقر إلى الضمانات.
خيار آخر، هو قروض طارئة، على غرار برنامج القروض السريعة بلا ضمان تقليدي، والفوائد مدعومة من الدولة... الفكرة مغرية لكن التجربة في أثناء وباء «كوفيد» تسببت في ضياع الملايين؛ بسبب الاحتيال. و«الخزانة» تحذر من تكرارها. أما دعم الأجور بنظام «فورلو» (دفع إعانة معيشة لعمال الموردين) فرُفض لغياب أي ميزانية له.
يرى التيار العمالي التقليدي أن تتحمل «جاغوار لاندروفر» العبء بنفسها. فالشركة سجلت 29 مليار جنيه إيرادات العام الماضي. وإذا قامت بتسريع دفع مستحقات الموردين أو تقديم تسهيلات قصيرة الأجل، فستساعد الأضعف بينهم على الاستمرار. الشركة وعدت بإعطاء الأولوية لمعالجة الفواتير فور عودة أنظمتها الإلكترونية. لكن الخطر قائم: السيولةُ قد لا تصل في الوقت المناسب، والشركات الصغيرة لا تستطيع الانتظار طويلاً.
وهناك «مطب» سلبي على طريق ستارمر، بسبب الآيديولوجيا السياسية لنوابه اليساريين؛ فمع وجود حكومة عمالية، يطالبون بسنِّ تشريعات تُلزم «جاغوار لاندروفر» بدفع فواتير الموردين، أو بفرض التزامات جديدة على الشركات في مثل هذه الأزمات. مثل هذا التدخل قد يبدو جذاباً للاشتراكيين في الحكومة، لكنه سيبعث برسالة مقلقة إلى المستثمرين. فإجبار شركات خاصة على تحمل خسائر ناجمة عن هجمات سايبرية غير متوقعة، يُشكِّل سابقةً تخيف المستثمر الدولي. وتتعرَّض سمعة بريطانيا بوصفها مكاناً للاستثمار للضرر مقابل إرضاء الجناح اليساري في حزب «العمال».
تجاوز هذه المطبات يستلزم فن قيادة يوازن بين السرعة والحكمة. دعم السيولة المؤقت يجب أن يُقدَّم بطرق لا تسبب بلبلة واضطراباً في السوق، ولا تخلق عادة انتظار دعم الدولة.
فالضمانات الحكومية المحدودة زمنياً، والمرتبطة مباشرة بالموردين المتضررين، قد تكون وسيلةً لإنقاذ الشركات دون فتح الباب لالتزامات بلا حدود. أما تحفيز «جاغوار لاندروفر» على تسريع المدفوعات، مع توفير شبكة أمان حكومية محدودة، فيوزع المسؤولية بشكل عادل.
الهجوم السيبراني كشف ضعفاً أمنياً وهشاشة في شبكة صناعية كاملة. وكل تأخير يضاعف من خطر انهيارات في سلسلة التوريد. القضية أصبحت تتعلق بمستقبل بريطانيا بوصفها دولة صناعية تنافسية. ويتطلب ذلك دعم الشركات خلال الأزمات دون الإخلال بتوازن المناخ الاستثماري الذي تعتمد عليه البلاد.
الشركة ستتعافى من الصدمة، لكن هل ينجو الموردون، وماذا عن سمعة البلاد بوصفها مركزاً صناعياً جاذباً للاستثمار؟
إن هذا الهجوم السيبراني لن يكون الأخير. ولذا فطريقةُ تعامل حكومة ستارمر مع الأزمة ستكون إما درساً يُحتذى في إدارة مثل هذه التحديات، أو مثالاً على ما يجب تجنبه. الأمر المقلق غياب الأصوات في حزب «العمال» - الذي يعقد مؤتمره هذا الأسبوع - التي تنادي بمبادرة للتعاون الدولي لتأمين الصناعات ضد الهجمات السيبرانية، وأيضاً للتوصل إلى سياسة منسقة عابرة للحدود لدعم وحماية شركات ترتبط إنتاجياتها في بريطانيا بصناعات مماثلة في بلدان أخرى.