: آخر تحديث

هل يمكن فهم ترامب؟

2
2
2

عماد الدين حسين

كان الله في عون أي رئيس أو مسؤول في أي دولة في العالم تضعه الظروف المختلفة للتعامل مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. من سوء حظ العالم وقادته أن معظمهم مضطر للتعامل مع الرئيس الأمريكي وأركان إدارته، باعتبار أن الولايات المتحدة هي الدولة العظمى الوحيدة تقريباً، ويقول البعض مجازاً أن لديها حدوداً مع كل دول العالم تقريباً، بحكم قوتها وتداخلها في كل القضايا الدولية والإقليمية، بل والداخلية لدول كثيرة.

ترامب يغير أفكاره ومواقفه وآراءه أكثر من مرة ليس في اليوم الواحد فقط، بل أحياناً في الخطاب أو التصريح الواحد، وبالتالي فإن ذلك يصيب غالبية المتعاملين معه بالدهشة والارتباك والحيرة.

أشفق كثيراً على أي جهة بحثية أو مسؤولة في أي دولة، يطلب منها أن تعد تقدير موقف للتعامل مع الرئيس الأمريكي في أي قضية من القضايا.. ربما يكون الموقف الوحيد شبه الثابت لترامب هو دعمه الكامل لإسرائيل وعدوانها على فلسطين وعدد من دول المنطقة. وأظن أنه حتى مع كل التطورات التكنولوجية الحديثة وخصوصاً الذكاء الاصطناعى، فإنه إذا تم الطلب من أحدث الأجهزة في هذا الصدد بأن يحاول توقع تصرف ترامب في قضية ما، فسوف يتعطل هذا الجهاز فوراً!

نظرة سريعة على تصرفات ترامب في العديد من القضايا سوف تؤكد هذه النتيجة التي بدأنا بها. وربما يكون موقف ترامب من روسيا وبوتين والصراع في أوكرانيا هو أوضح دليل على تقلبه في المواقف. خلال حملته الانتخابية وبعد دخوله البيت الأبيض، ظل ترامب يردد دائماً مواقف داعمة لروسيا ومناوئة لأوكرانيا.. كان يشيد دائماً بالرئيس الروسى، فلاديمير بوتين وقوته، وأن بلاده تملك أوراقاً كثيرة.

ونتذكر كيف أن ترامب حشر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في ركن صعب بالبيت الأبيض نهاية فبراير الماضي، وتنمر عليه وسخر منه، بل وطرده حرفياً من الاجتماع هو والوفد المرافق له.. بل المثير للسخرية أنه تناول الوجبة التي كان يفترض أن يتناولها زيلينسكي!.. بعدها أجبر أوكرانيا على دفع ثمن كل المساعدات الأمريكية لها ورهن ثروتها من المعادن النادرة، والأهم أنه كان يردد دائماً أن أوكرانيا ضعيفة ولا تملك أوراقاً كثيرة في مواجهة روسيا، ثم استقبل بوتين في آلاسكا قبل أسابيع وكأنهم أصدقاء حميمين.

أخيراً انقلب تماماً، وقال إن روسيا نمر من ورق ولديها مشكلات اقتصادية صعبة، وإن أوكرانيا يمكنها استعادة كل الأراضي التي احتلتها روسيا والعودة إلى حدودها الطبيعية كما كانت قبل بدء الحرب في 24 فبراير 2022، في حين أنه كان يردد دائماً أنه يؤيد احتفاظ روسيا بشبه جزيرة القرم وبعض الأراضي الأوكرانية الأخرى.

هذا التحول لم يدهش أوروبا والروس فقط، بل أدهش الرئيس الأوكراني نفسه!

في قصة مهمة أخرى وجه ترامب العديد من الانتقادات للصين ولرئيسها شي جين بينج، وقام باتخاذ العديد من الإجراءات ضدها، خصوصاً فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الصينية، وفي مواقف أخرى مدح الرئيس الصيني.

ففي سبتمبر قال إن بينج «يحكم بلاده بقبضة من حديد»، وقالها بصورة إيجابية وليست سلبية، وفي مرة أخرى قال إنه «رجل نبيل»، وفي مرة ثالثة قال إنه «يحب الرئيس الصيني، لكنه رجل عنيد»، وفي مرة رابعة قال إنه يحترم الرئيس الصيني ومستعد للقائه.

هو أعلن عن فرض العديد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية وصلت ذات يوم إلى 200%. ثم تراجع عن معظمها، ودخل في عملية تفاوض، خفضت هذه النسب بصورة كبيرة. الأمر نفسه مع الفارق فعله مع الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونج أون، وخلال ولايته الأولى فجر ترامب مفاجأة، حينما التقى أون في عام 2019 على الحدود المشتركة بين الكوريتين.

قبل وبعد اللقاء كان يوجه كل الانتقادات لكوريا الشمالية ولرئيسها، وبعد اللقاء غيّر لهجته تماماً ومدح أون قائلاً إنه ذكي، وأن بلاده ستصبح صاروخاً اقتصادياً وليس عسكرياً، وفي مرة أخرى قال «لدى علاقة رائعة مع الرئيس الكوري»، وفي مرة ثالثة قال: «أريد لعب الغولف في بيونغ يانغ».

التقلب نفسه فعله مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. كما هاجم حلف شمال الأطلسي مراراً وتكراراً، وحاول ابتزازه لزيادة مساهمة بلدانه في ميزانية الحلف، ثم مدح الحلف لاحقاً أكثر من مرة.

والأمر نفسه تكرر مع الاتحاد الأوروبي، وإن كانت نبرة ترامب تجاه هذا الاتحاد سلبية إلى حد كبير. والآن يطالب غالبية الدول الأوروبية بالتوقف عن شراء النفط الروسي والتحول إلى نفط وغاز بلاده. مرة أخرى، كان الله في عون أي رئيس أو مسؤول يتعامل مع ترامب وتقلباته.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد