امتلأت الصحف قبل فترة بأخبار وتقارير تتعلق بزيادة وتيرة توجّه الدولة لتعزيز التعاون مع الصين في مجال البنية التحتية والمشاريع التنموية الكبرى.
لا شك أن مثل هذه الأخبار مفرحة لكل محب لوطنه، فقد أثبتت الصين أنها شريك اقتصادي عالمي لا يستهان بقدراته الصناعية والتقنية. لكن، كالعادة، يظل السؤال الأهم: ماذا سيبقى للكويت بعد انتهاء هذه المشاريع؟ هل سنكتفي بصور افتتاح، وبيانات صحافية، وبعض الأرقام في سجلات العقود، أم سننجح في تحويل هذه الاتفاقيات إلى فرصة حقيقية لبناء قاعدة صناعية محلية أقوى؟ الكويت ليست خالية من الصناعة كما يتصوّر البعض. لدينا مصانع معادن وبتروكيماويات ومواد بناء وكهربائيات، ولدينا أيدٍ عاملة وطنية تقارب 11 ألف كويتي، يساهمون في إنتاج قيمة مضافة وصلت إلى 1.8 مليار دينار. والأهم أن كثيرًا من هذه المصانع تعمل بطاقة أقل من إمكاناتها الحقيقية، أي أن عندنا فائضًا يمكن أن يشارك في تنفيذ مشاريع الدولة بدلًا من تهميشه. الخطر الأكبر ليس في التعاون مع الصين، بل في أن يتم هذا التعاون، في تجاهل تام للمصنّع الكويتي، من أفراد وشركات، بالرغم من كل ما لديهم من قدرات مالية وخبرات عالية. فاستقدام مصانع أجنبية قد يضرّ بالصناعة المحلية، وقد يقضي على فرص عمل كان يمكن أن تكون مفيدة للمواطنين، والنتيجة ستكون غالبا الاعتماد بصورة أكبر على الخارج، بدلًا من تعزيز الاكتفاء الذاتي.
ما نحتاجه اليوم هو «التكامل»، أي أن تدخل الشركات الصينية بقدراتها، لكن جنبًا إلى جنب مع مصانعنا الوطنية. وأن تُعطى الصناعة المحلية الفرصة لتكون جزءًا من سلسلة التوريد، وأن يستفاد من خبراتها المتراكمة. وبهذه الطريقة فقط، نصنع قيمة مضافة حقيقية، ونسرّع التنفيذ، ونخفّض الكلفة، ونبني اقتصادًا متوازنًا.
الكويت بحاجة إلى رؤية صناعية واضحة، لا مجرد اتفاقيات دولية. فالمصانع المحلية، أو من يمثلها، يمكن أن يكون لها دور في تقديم كل البيانات الدقيقة عما هو متوفر من إمكانات وقدرات إنتاجية، وقدرة على الدخول مباشرة في مشاريع ضخمة، منفردين أو بالتعاون مع الشريك الأجنبي.
التعاون مع الصين فرصة ذهبية، وقد يكون سلاحًا ذا حدّين، فإمّا أن نستفيد منه لبناء صناعة محلية قوية، أو نكتفي بأن نكون مجرّد مستهلكين لمشاريع ينجزها غيرنا، لنعود بعد سنوات لنطرح السؤال ذاته: ماذا بقي لنا؟
الموضوع مهم وخطير، وبحاجة لعناية وزير التجارة والهيئة العامة للصناعة، وأصبح أكثر من ضروري، بعد القيود الأخيرة على التصرف في ملكية القسائم الصناعية ووقف تطويرها، إضافة إلى ما تسبب به سحب جنسيات البعض، من قدماء الصناعيين، من إرباك للوضع، بشكل عام.
أحمد الصراف