عبدالعزيز الكندري
الزواج شريعة ربانية، وسنة نبوية، وفطرة إنسانية حث عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم، وهو ليس مجرد عقد ومناسبة اجتماعية، ولكنه بداية رحلة فيها الكثير من التحديات والتضحيات والتنازلات... ولاشك أن البيئة والتنشئة والاستعداد لها أثر كبير على نجاح الزواج.
هناك العديد من التحديات التي تواجه الشباب تؤثر على الزواج، مثل الاختلاف في القيم والتوقعات، بسبب تأثير الإعلام والسوشيال ميديا، والضغوط الاقتصادية وغلاء المعيشة، وتكاليف السكن، كلها عوامل ضاغطة، والتدخل الخارجي، تدخل الأهل أو الأصدقاء يزيد المشاكل بدل حلّها، وضعف مهارات التواصل حيث إن كثيراً من الأزواج لا يعرفون كيف يناقشون أو يعبرون عن احتياجاتهم، والتحديات التقنية والسوشيال ميديا التي أوجدت الإدمان الرقمي، وغياب التهيئة النفسية قبل الزواج، الذي يحتاج نضجاً وتعلّماً، وليس مجرد مشاعر أو احتفال.
لقد نشرت إدارة الإحصاء والبحوث التابعة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والإحصاء في وزارة العدل، إحصائيات عن حالات الزواج والطلاق، حيث هناك ارتفاع عدد حالات الزواج في الكويت خلال عام 2024 إلى 14639 حالة، بزيادة 10 في المئة عن العام السابق، يقابلها ارتفاع حالات الطلاق من 7865 عام 2023 إلى 8168 في 2024 بمقدار 303 حالات وبنسبة 3.9 في المئة، وارتفاع حالات الطلاق التي تمت في سنة الزواج نفسها من 710 عام 2023 إلى 769 في 2024 بـ59 حالة وبنسبة 8.3 في المئة.
44.1 في المئة من الأزواج عام 2024 من حملة المؤهل الجامعي ثم «الدبلوم» بنسبة 21.7 في المئة ثم «الثانوية» بـ19.1 في المئة و«المتوسطة» بـ11.0 في المئة، وارتفاع حالات الطلاق قبل الدخول من 600 حالة عام 2023 إلى 633 خلال 2024 بـ33 حالة وبنسبة تغير 5.5 في المئة.
وهذه الأرقام تحتاج إلى تحليل من المختصين وإيجاد علاج مناسب لها، لأنه بصلاح الأُسر تصلح المجتمعات، ولعل قلة الصبر وسرعة الانفعال والغضب هي أساس مشاكل الحياة والأزواج.
ومن الطبيعي أن تكون هناك مشاكل بين الأزواج، ولكن الانفعال يزيدها ويصعب الحل، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة (إناء) فيها طعام، فضربت التي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت).
تخيل لو أن هذا الفعل والتصرف يحدث لأحدنا في هذه الأيام كيف سيتصرف، ولكن حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بينت أن الغيرة كانت السبب في هذا الفعل، وقام -صلى الله عليه وسلم- بجمع الإناء المكسور، وأعاد الطعام فيه، وأبقى لها الإناء الذي كسرته، وأرسل بإناء عائشة -رضي الله عنها- السليم إلى أم المؤمنين التي كُسر إناؤها؛ معللاً فعله هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم: (طعام بطعام، وإناء بإناء)، وأمر الحاضرين بأن يأكلوا الطعام، فأكلوه، وانتهى الموقف عند هذا الحد، وذلك لحلمه وحكمته -صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حجر: «قوله: (غارت أمكم) اعتذار منه -صلى الله عليه وسلم- لئلا يحمل صنيعها على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة، فإنها مركبة في النفس، بحيث لا يقدر على دفعها.. وفي الحديث حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم، وإنصافه وحلمه»، وقال: «فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها، لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة».
وقال الطيبي: «إنما أبهمت عائشة تفخيماً لشأنها، وإنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي، لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها».
فكم نحن بحاجة إلى التخلي عن الغضب والانفعال حتى تصفو لنا الحياة.