: آخر تحديث

اتفاق سوري إسرائيلي يلوح في الأفق..!

4
4
4

رامي الخليفة العلي

تشكّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لحظة استثنائية بكل المقاييس، فهي ليست مجرد حضور بروتوكولي إلى منبر أممي، بل تعبير عن عودة سوريا إلى قلب المشهد الدولي بعد سنوات طويلة من الحرب والعزلة والعقوبات. فالشرع الذي برز خلال العام الماضي بوصفه شخصية كاريزمية قادرة على فرض حضورها في الداخل والخارج، يدرك أن هذه الزيارة تحمل في طياتها أكثر من رسالة؛ أولها أن دمشق الجديدة لم تعد أسيرة ماضيها المنغلق، بل تتجه إلى الانخراط في ترتيبات دولية تعكس واقعية سياسية وبراغماتية مدهشة. ومن أبرز الملفات المطروحة في هذا السياق الحديث المتزايد عن اتفاق أمني سوري إسرائيلي يجري بحثه بوساطة أمريكية، وهو اتفاق لو تحقق فإنه سيقلب الموازين في المنطقة، وسيعيد ترتيب الأولويات الإقليمية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الرئيس دونالد ترمب ينظر إلى هذه الزيارة باعتبارها فرصة لتسجيل إنجاز سياسي يعزز صورته كصانع للسلام في منطقة تعثرت فيها معظم المبادرات الأمريكية السابقة. ولعل الاتفاق المحتمل بين دمشق وتل أبيب سيكون بمثابة الجائزة الكبرى لترمب، إذ سيمكنه من القول إنه نجح فيما عجز عنه أسلافه، أي كسر جدار العداء السوري الإسرائيلي. أما إسرائيل، فهي تتعامل مع الملف من زاوية أمنية بحتة، إذ تسعى إلى ضمان حدود هادئة ومستقرة مع جارتها الشمالية، وترغب في الحصول على ترتيبات أمنية تضمن تحييد أي تهديد مستقبلي، سواء من داخل سوريا أو عبر وكلاء إقليميين كحزب الله أو المجموعات المدعومة من الخارج. في المقابل، تراهن دمشق على أن الاعتراف الأمريكي والدولي بشرعيتها، عبر هذا المسار، سيمنحها ما يشبه شهادة الميلاد الجديدة، ويعيدها إلى قلب الخريطة الدبلوماسية والاقتصادية، خصوصاً أن أي اتفاق من هذا النوع سيفتح الباب أمام إعادة الإعمار ويساهم في استعادة العافية الاقتصادية. على صعيد الداخل السوري فمعظم الشعب السوري يرفض التطبيع مع إسرائيل، ويريد استعادة أرضه السليبة المتمثلة في هضبة الجولان المحتلة، لكن في الوقت نفسه يعلم أن البلاد منهكة اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، وهي ما تزال تلملم جراحها وتستعيد وحدتها، وبالتالي هي غير مهيأة للدخول في حرب ستكون تكلفتها باهظة؛ لذلك يبدو خيار الاتفاق الأمني هو الخيار الأقل سوءاً في إطار الواقع السوري المعقّد باعتباره أفضل الممكنات. من هنا يمكن القول إن زيارة الشرع إلى نيويورك ليست تفصيلاً عابراً في جدول أعمال الأمم المتحدة، بل هي إعلان دخول سوريا في مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة الانتقال من موقع الدولة المحاصرة إلى موقع اللاعب الفاعل في المعادلات الإقليمية. وإذا ما تحقق الاتفاق الأمني مع إسرائيل بالفعل، فإن العالم لن يشهد مجرد اختراق في ملف شائك، بل سيشهد بداية إعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط بأكمله، بما يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة تضع حدّاً لصراعات مستمرة منذ عقود، وتعيد تعريف مفهوم الأمن الإقليمي على أسس جديدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد