عماد الدين حسين
سؤال نظري، هل لو سلمت الفصائل الفلسطينية كل الأسرى الإسرائيليين في الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى قبل نحو عامين هل كان ذلك سيمنع إسرائيل من عملية التدمير واسع النطاق المستمر لقطاع غزة حتى هذه اللحظة؟من متابعة السلوك الإسرائيلي منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر من العام قبل الماضي حتى الآن يتضح أن ما حدث ويحدث هو تطبيق لمخطط إسرائيلي موضوع في الأدراج منذ عشرات السنين، وليس فقط نتيجة لعملية طوفان الأقصى. لكن هل يعفي ذلك حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية من المسؤولية عما حدث ويحدث وما لحق بالشعب الفلسطيني وقضيته؟
مبدئياً فإنه من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن أرضه والحصول على حريته طبقاً لما تقرر له الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية، لكن في المقابل ينبغي التفكير في العواقب والنتائج النهائية، فلا يصح مثلاً أنه لكي تلحق ضرراً جزئياً وبسيطاً بخصمك، أن تدمر نفسك وشعبك بالكامل.
وتقديري أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه كل من فكر وخطط لعملية طوفان الأقصى، أنه لم يفهم ويعرف ويدرك ويتحسب لوجود حكومة إسرائيلية شديدة التطرف، وأنها تنتظر أي حجة أو ذريعة أو مبرر حتى تنفذ خطتها الأصلية، وهي تدمير قطاع غزة وضم الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين، وصولاً لتصفية القضية الفلسطينية بل وتطبيق وتنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى التي كشف عنها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بوضوح شديد قبل أسابيع قليلة.
سيرد البعض على كلامي ويسأل: وهل تطلب من الفلسطينيين أن يسكتوا ويقبلوا ويرضخوا لإسرائيل وألا يدافعوا عن أنفسهم؟!
الإجابة هي لا بكل تأكيد، لكن من المهم أيضاً أن تدرس أي حركة الأمر من كل الوجوه حتى لا توفر للخصم الحجة والذريعة، وبالتالي فلو أن الفصائل الفلسطينية أطلقت كل سراح الأسرى الإسرائيليين من اليوم التالي لبداية العدوان فإن الأمر كان سيصبح صعباً على إسرائيل دولياً وإقليمياً، لكنها كانت ستنفذ هذا المخطط في كل الأحوال، كما هو حادث الآن، خصوصاً بعدما تبين أنها لا تكترث لأي قانون أو أمم متحدة ما دامت تحظى بدعم أمريكا.
نتذكر أن نتنياهو وضع من بين الشروط الكثيرة لوقف النار أن يتم القضاء على حركة حماس ونزع سلاحها وسلاح الفصائل، وبالتالي فحتى لو أطلقت الفصائل سراح الأسرى، فقد كان سيمضي في التدمير بحجة أن حماس لا تزال موجودة وأن سلاحها لم ينزع.
ونتذكر أيضاً أن نتنياهو ومعه ائتلافه المتطرف قاوم بكل الطرق ضغوط عائلات الأسرى وكذلك بعض أحزاب المعارضة، وأصر على مواصلة القتال لتحقيق الأهداف الأساسية التي يرى أن هناك فرصة تاريخية ونادرة قد لا تتكرر قريباً.
نتنياهو طبق مبدأ هانيبال بدقة شديدة منذ بداية العدوان وهو ينص على أنه حينما يكون هناك أسرى إسرائيليون فلا ينبغي تأجيل القتال أو التفريط في الأهداف الكبرى لإسرائيل من أجل هؤلاء الأسرى، حتى لو كان الثمن قتلهم.وهناك تقارير إعلامية متعددة تتحدث عن أن القوات الإسرائيلية ربما تكون قد قتلت إسرائيليين خلال العدوان حتى لا يقعوا في أيدي الفصائل ويتم ابتزاز ومساومة إسرائيل بهم.
إذن وبعد مرور نحو عامين إلا قليلاً من العدوان، يتضح إلى حد كبير أن نتنياهو وحكومته قد استغلوا قضية الأسرى وعدم عودتهم بالكامل من أجل تنفيذ الأهداف الإسرائيلية الكبرى.
نتنياهو يدرك أن عملية مركبات جدعون 2 أو احتلال مدينة غزة بالكامل قد تؤدي إلى مقتل بعض أو كل الأسرى الإسرائيليين الذين يحتمل وجودهم هناك، وهذه النتيجة توصل إليها أهالي الأسرى وخاطبوا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مراراً وتكراراً أن يتدخل من أجل وقف العملية حتى لا تؤدي إلى مقتل أقاربهم.
وجهة نظر نتنياهو ترى أن ما سيتم تحقيقه من احتلال مدينة غزة وإكمال تدمير القطاع بالكامل وربما تهجير الفلسطينيين أو غالبيتهم هو هدف ثمين جداً يفوق حياة نحو 60 أسيراً حياً وميتاً.