: آخر تحديث

محمد أسد بين النسخة الأوروبية والتجديد الإسلامي

4
4
4

عبدالله الزازان

بعض المفكرين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام بعد رحلة بحث وتأمل طويلة، كالفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، والمستشرق والمفكر والمصلح محمد أسد، أثاروا بأفكارهم جدلًا واسعاً في الأوساط الفكرية الإسلامية. فرغم أن محمد أسد اعترف بقلة بضاعته في الفكر الإسلامي، فإنه تداخل وناقش قضايا ومسائل كبرى في العقائد، والحديث، والفقه، وتفسير القرآن الكريم، تفسيرًا يتناسب مع المعارف الغربية، بجرأة وصراحة واضحتين تتجاوزا المألوف، والمعتقدات السائدة، حيث يقدم تأويلاً لمعجزات القرآن الكريم، تتماشى مع قوانين الطبيعة. فهو لا يرى أن في المعجزات أمراً خارقاً لقوانين الطبيعة، ثم أنه لا يترك مجالاً من مجالات الدين، إلا وأسهم فيه برأي، وإن كان يعتقد أنه يقدم أفكاراً ورؤى جديدة، بطرق غير تقليدية. وُلد محمد أسد في أوكرانيا من عائلة يهودية، درس في طفولته اللغة العبرية والآرامية، وفي عام 1926 اعتنق الإسلام، ودرس الآداب والفلسفة في جامعة فيينا. وقام برحلات في العالم الإسلامي، فزار شبه القارة الهندية أيام الاحتلال الإنجليزي، وطرح فكرة تأسيس دولة إسلامية مستقلة في شبه القارة الهندية «باكستان». وعلى أثر ذلك مُنح الجنسية الباكستانية، وعُيِّن مبعوثًا لباكستان في الأمم المتحدة في نيويورك. تفرغ بعد ذلك لكتاباته ودراساته، «منهاج الإسلام في الحكم»، و«الإسلام على مفترق الطرق»، و«الطريق إلى مكة»، و«صحيح البخاري»، و«رسالة القرآن»، الذي هو عبارة عن ترجمة لمعاني القرآن الكريم، والحواشي والهوامش التي ضمتها الترجمة. وأثارت ترجمته للقرآن الكريم آراء متباينة حول منهجه العقدي، فهناك من عده مجددًا ومفكرًا إسلاميًا، وهناك من يرى أنه لم يستطع التخلص من تربيته وفكره الأوروبيين، وبقاياه المادية، حيث يؤول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس والتجربة، وأذواق الغرب، وبخاصة حول موقفه من قصص المعجزات في القرآن الكريم، حيث يرى أن هذه القصص مجرد أساطير تمثيلية تؤدي غرضًا تعليميًا، معتبراً بعض نصوص القرآن رموزاً وأمثلة يمكن لأي أحد أن يفسرها كما شاء، وكيف شاء. وقد أفرد الشيخ صالح الحصين كتابًا عن محمد أسد، عنوانه «محمد أسد في الطريق إلى مكة» رصد فيه قصة التطور الفكري الذي مر به أسد، والذي انتهى باعتناقه الإسلام. فمحمد أسد من ناحية شخص عاش بعمق وتجربة حقيقة الحياة في الغرب، وهو من ناحية ثانية، رجل عرف الإسلام عن قرب وتبصر واعتنقه عن قناعة. يقول محمد أسد «جاءني الإسلام متسللاً كالنور إلى قلبي المظلم، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد». ويقول: «مهما كانت ضآلة ما عرفت عن الإسلام، إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلًا عنها جاهلًا بها، حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام دينًا بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة ’دين’، بل بدا لي أسلوب حياة، ليس نظامًا لاهوتيًا، بقدر ما هو سلوك فرد ومجتمع، يرتكز على الوعي بإلهٍ واحد. لم أجد أي أثر للثنائية في الطبيعة البشرية، فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر». ويقول أيضًا: «أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط، بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكّد الإسلام ذلك. لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشًا، بل كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين. لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو وجود أسمى وأنقى، وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية... لا يوجد في العالم أجمعه ما يبعث في نفسي تلك الراحة التي شعرت بها بين المسلمين، والتي أصبحت غير موجودة في الغرب». وعُرِف محمد أسد في العالم العربي من خلال أول كتاب له تُرجم إلى اللغة العربية بعنوان «الإسلام على مفترق الطرق»، والذي صدرت ترجمته عام 1946. فاشتهر وذاع صيته بسبب هذا الكتاب الذي لاقى انتشارًا واسعًا. ومن خلال الكتاب، يبدو فكره واضحًا، خصوصًا لمعايب الحضارة الغربية وأخطارها على المسلمين، ولمزايا الإسلام عليها. وأحدث نقده للحضارة الغربية، وشهادته للإسلام، تأثيرًا كبيرًا، ورواجًا، وإعجابًا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد