: آخر تحديث

التشابه بين أسواق المال وتشكيل النظام العالمي الجديد

3
3
3

محمد سليمان العنقري

تتميز الأسواق المالية بحيويتها وتجددها وتتحكم فيها عوامل عديدة ومعطيات لا حصر لها ويلعب قرار المتعاملين بتوزيع مراكزهم الدور الرئيس فيما نراه من تقلبات بالأسعار والمؤشرات وتتحكم بقراراتهم نزعة وطبيعة بشرية راسخة وهي مشاعر الخوف والطمع ولذلك فإن الأسواق تشهد ظهور لاعبين جدد، وكذلك انخفاض أو انتهاء لمن كان لهم الدور القائد في السوق إضافة إلى أن تطورات الاقتصاد ترفع من أهمية قطاعات وتخفض من أخرى وصلت ذروتها بالنمو أو التأثير، ومن هنا يمكن أن نقارب آليات عمل أسواق المال على تشكيل النظم العالمية على مر التاريخ حتى يسهل تبسيط فهم ولادة أو تشكل أي نظام عالمي جديد بأي زمن.

فنحن في زمن يتشكل فيه نظام عالمي جديد اكتمل تصور كبير عنه وما يحدث حالياً هو استكمال لمشهد بدأ منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 حيث انتهى صراع كبير دام أكثر من 45 عاماً بين الكتلتين الشرقية الشيوعية والغربية الرأسمالية بانتصار الأخيرة وهو ما فتح الباب على ولادة نظام دولي جديد أساسه وهويته التنافس الاقتصادي وبقطاعات جديدة أهمها التكنولوجيا والتقنية الحديثة ولأجل بسط الهيمنة الاقتصادية تتحرك الدول بكل إمكانياتها خصوصاً صاحبة الاقتصادات العظمى، وكذلك الاقتصادات الناشئة ليستحوذوا على مكانة قوية لها بهذا القرن الذي أصبح هوية حضارته الذكاء الاصطناعي واستخداماته.

فالنظام الدولي الذي يتشكل حالياً تمحور حول تنافس على حصص أكبر في التجارة العالمية وسلاسل الامداد وامتلاك التكنولوجيا وحماية ملكيتها الفكرية وظهور قطاعات أصبحت جزءاً من الأمن القومي مثل صناعة الرقائق الالكترونية ولتبيان أهميتها فقد وصلت قيمة عملاق هذه الصناعة وهندستها شركة أنفيديا الأمريكية لقيمة سوقية غير مسبوقة بلغت 4.2 تريليون دولار أي أكبر من حجم اقتصاد بريطانيا أو فرنسا أو روسيا أو الهند ومقاربة لحجم اقتصاد ألمانيا وهو ما يظهر أننا في عالم بدأت تتشكل فيه قوى ضخمة في أهميتها وقيمتها والأمر ينطبق على أكبر شركات التكنولوجيا مثل آبل ومايكروسوفت وغيرهم، فمجموع قيم أكبر سبع شركات بالعالم وهي كلها تعمل بالتكنولوجيا وامريكية الجنسية يفوق 20 تريليون دولار أي أكبر من ناتج الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي فهذه الشركات هي أقوى أسلحة أمريكا اليوم والعائل الأهم في سيطرتها الاقتصادية وهو ما تعمل عليه الصين بإبراز شركات تجاريهم في التنافسية لتكون أذرع قوة دولية لها.

ففي النظام العالمي الجديد ظهرت قطاعات واختفى بريق أخرى وتعزز من خلالها ظهور أهمية دول جديدة لاعبة بمسرح الاقتصاد العالمي وخفت بريق دول لم تقرأ المستقبل جيداً فمن اعتمد على تقدمه سابقاً وتخدر بذلك وظن أنه بلغ مجداً لن تنطفئ شعلته فهو يشهد خفوت دوره ولن يشفع له أي ماض كان فيه مزدهراً، حتى لو كان يمتد لمئات السنين؛ فهذه سنة الكون فالبناء هو للمستقبل ولذلك فإن ديناميكية أسواق المال وإعادة التمركز بقطاعات وشركات جديدة بين زمن وآخر يشببها الحراك الكبير الذي يتشكل من خلاله النظام العالمي الجديد وبقواه من الدول الفاعلة التي توظف إمكانياتها لتكون صاحبة تأثير في الاقتصاد العالمي والنظام الذي يسيره فكل شيء يشهد تطورا حتى العملات أصبح هناك المشفرة منها وتتجه الدول لتنظيم تداولاتها واستخداماتها والطاقة تتوسع في مصادرها المتجددة والقطاعات التقليدية دخلتها التقنية لتغير الكثير من طبيعة عملها ونواتجها.

النظام العالمي الجديد يتشكل ومسرحه كل الجغرافية، والقوى الفاعلة القارئة للمستقبل تعزز من حضورها وشراكاتها وتنوع استثماراتها وتوزيعها محلياً ودولياً وتقوي تحالفاتها مع الشركات العملاقة واللاعب الرئيسي في القطاعات الأكثر اهمية بهذا القرن تماماً كما تبني الدول علاقاتها مع بعضها فأصبح استقطاب وجودها الدائم في الدول العصرية التي تتجه بقوة لمكانة اقتصادية دولية كبيرة له أهمية بالغة كما هو الحال لأهمية وجود بعثات دبلوماسية مع فارق طبيعة الأدوار، فالعالم الذي يتشكل اليوم هو مشابه لولادة قطاعات جديدة في الأسواق وكذلك لظهور مستثمرين مؤثرين جدد فباكتمال تشكله ستظهر قوى دولية جديدة فاعلة تمتلك تأثيرا بالغا اقتصادياً وتختفي دول من مشهد التأثير العالمي، وما بين كل هذه المراحل ستكون هناك تقلبات وضبابية وتحديات حتى تنقشع الغيوم وتظهر خريطة التأثير الدولي الجديدة ومراكز القوة فيه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد