: آخر تحديث

السويداء بين الوفاء والغدر: حين يغتال الجحود الكرامة

11
9
8

في لحظة من لحظات الغدر التاريخي، تعود السويداء، مدينة الكرامة والعروبة، لتكون ضحية جديدة على مذبح الأطماع السياسية. لم تكن هذه المدينة الجبلية، التي فتحت قلبها وبيوتها للنازحين أيام الثورة السورية، تتوقع أن تُكافأ بطعنات من أولئك الذين احتموا بها يومًا. ولم يكن أهلها، الذين عاشوا على التآخي مع إخوتهم في الدين والإنسانية، ينتظرون أن تأتيهم الخيانة من خاصرةٍ قريبة، تُدار بخيوط تركية معلنة تارة، ومخفية تارات.

لقد استقبلت السويداء مجموعات ثورية فرت من بطش النظام، ووفّرت لهم الأمن والمأوى، ولم تميز يومًا بين سني ودرزي، ولا بين شمالي وجنوبي. فالموقف عند أهل الجبل لم يكن طائفيًا، بل إنسانيًا وأخلاقيًا قبل أن يكون سياسيًا. واليوم، يتعرض هؤلاء الناس، كبارًا وصغارًا، لحملات تشبيحٍ وقتلٍ وانتهاكٍ للكرامة، بذريعةٍ انتقامية لا تليق إلا بعصور الجاهلية.

الإسلام لا يرضى بهذا.. والرسول نهى عن الثأر
ما يحدث من انتهاكات بحق السويداء وأهلها، لا يمتّ بصلة إلى دين الإسلام العظيم، ولا إلى خُلق نبيّه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال في رسالته: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ودعا إلى الرحمة وتغليب العقل، ونبذ الثأر والغدر، لا إلى إعادة إنتاج داحس والغبراء بثوب عثماني جديد يُراد له أن يستثمر في آلام السوريين ليكسب موطئ قدم جديدًا على حساب الدماء.

الذين يظنون أن الدروز كانوا على هامش التاريخ، يجهلون أن هؤلاء هم أبناء سلطان باشا الأطرش، القائد الذي فجّر الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي. هم من تَمثّلوا فكر الأمير شكيب أرسلان، الداعية الإسلامي الذي وقف في بلاط السلطنة ينافح عن العرب ويدافع عن وحدة الأمة. هم من ساروا على نهج كمال جنبلاط، الذي رفض كل دعوات الانفصال الدرزي عن العروبة، وواجه بوضوح من أراد طمس الهوية المشتركة. وهم من لا يزالون مع وليد جنبلاط، يحملون لواء الحرية، ويطالبون بعلاقة عربية صحيحة تحفظ التوازن، وترفض التبعية، وتسعى إلى مستقبل أفضل للبنان وسوريا والمنطقة.

تركيا وميراثها المسموم
أن تأتي تركيا، التي طالما احتلت سوريا، والتي ما زالت تفتّش في خرائط العثمانية البائدة عن حلمٍ مريض، لتنتقم من جبل العرب، فهذا ليس إلا استمرارًا لمسلسل قديم من الحقد الدفين. تركيا التي انهزمت ذات يوم أمام مقاومة الدروز، تعود اليوم لتنتقم من أطفالهم وشيوخهم، من كرامتهم ورجالهم، فتحلق شواربهم، وتذلّهم، كما لو أن التاريخ يسمح بتكرار المأساة دون أن ينتفض الشرفاء.

لكن، ما ذنب الأطفال الدروز؟ ما ذنب العجزة الذين لا يحملون سوى ذكريات الجبل؟ أي شريعةٍ تلك التي تُحلّ للغرباء قتل الأبرياء باسم الانتقام؟ أي منطقٍ ذلك الذي يجعل من الجبل عدوًا، وهو الذي وقف مع ثوار سوريا، وفتح بيوته لهم حين ضاقت بهم الأرض؟!

لن تنكسر السويداء
إن من يعرف السويداء يدرك أنها لا تنكسر، وإن جار عليها الزمان. هي قلعة في وجه المحتل، وسند لمن يُظلم. والتاريخ كفيل بأن يردّ الصاع صاعين، لا بالحقد، بل بالحق. ومن ظنّ أن أهل الجبل يُهانون ويسكتون، فليقرأ في وجوه شيوخهم: هناك، يسكن الكبرياء، وهناك، تولد الثورات.

سيبقى جبل العرب شاهدًا على الوفاء، وستبقى كلمته أعلى من أصوات الغدر، مهما عظمت المؤامرات. لن تهزم كرامةً سقتها دماء الأحرار، ولن تُمحى ذاكرة حَمَلتها الأجيال كما تُحمل الراية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.