: آخر تحديث

نوبل للسلام وحلم رئيس!

2
2
2

جائزة نوبل للسلام من أسمى وأرفع الجوائز العالمية التي تُمنح تكريماً لكل من يساهم في إرساء السلام والأمن والاستقرار العالميين بين الدول والشعوب، ويعمل على إزالة أسباب الصراع ووقف الحروب وإحلال السلام إنقاذاً للبشرية، وبهذا المعنى الجائزة تكريس للسلام في مواجهة الحرب.

ولا يقتصر منح الجائزة على الساسة فقط بل لكل من يساهم بشكل ملحوظ في وقف الحروب وإن كان الساسة الأكثر حلماً وسعياً وهوساً بالحصول عليها، لما لها من قدسية كبيرة، ولذلك كل الساسة والقادة سعوا ويسعون للحصول عليها اعتقاداً منهم أنها تحول دعاة الحرب والمتهمين بالإبادة إلى رجال سلام، وكأنها بهذا المعنى قيمة الجائزة أنها حكم عالمي بالبراءة.

وليس معنى هذا أن الجائزة لم تُمنح لقادة وساسة عظام عملوا على السلام ووقف الحرب، ومن أبرز عشرة قادة مُنحت لهم الجائزة: الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الذي عمل على إنهاء خمسة عقود من الحروب مع القوات المسلحة الكولومبية، والرئيس محمد أنور السادات مع مناحيم بيغن لمساعيهما لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحروب، والرئيس نيلسون مانديلا وفرديريك لدورهما في إنهاء العنصرية، والرئيس ياسر عرفات وشمعون بيريز ورابين لتوقيع أوسلو وإعلان الاعتراف المتبادل بينهما، والرئيس كيم دي جننغ رئيس كوريا الجنوبية بما عرف بسياسة الشمس المشرقة.

وكان لرؤساء الولايات المتحدة نصيب في هذه الجائزة: الرئيس وودرو ويلسون الرئيس الثامن والعشرون لإعلانه 14 مبدأ كوسيلة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وأول من أطلق على الحمامة رمز السلام، والرئيس جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثون لمساعيه التوصل لحلول في الصراعات الدولية وازدهار الديمقراطية، والرئيس أوباما الرئيس الرابع والأربعون لتقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب.

ورغم ذلك لم تخلُ الجائزة من المفارقات، بالرغم من حرص المؤسس للجائزة، المهندس والكيميائي ومخترع الديناميت السويدي ألفريد نوبل، وتخصيص الجزء الأكبر من ثروته لما عرف بجائزة نوبل للسلام وفي مجالات أخرى كالعلم والطب والآداب والكيمياء والفيزياء، وأن تُخصص للشخص الذي قدم أفضل إنجاز في سبيل تعزيز الأخوة بين الأمم وتقليص الجيوش القائمة أو إلغائها وتنظيم مؤتمرات السلام ودعمها. بالرغم من ذلك هناك من سعى لهذه الجائزة مثل هتلر وموسوليني.

واليوم يُعتبر الرئيس ترامب الأكثر هوساً وسعياً لنيل الجائزة، وحشد فريق من الإعلاميين والسياسيين لترشيحه، فسعيه يتماهى مع نرجسيته واعتقاده أنه مرسل من الله لإنقاذ البشرية. وحسب صحيفة التايمز البريطانية، ترامب يريد جائزة نوبل للسلام منذ رئاسته الأولى عام 2020 ونجاحه في توقيع اتفاقات إبراهام للسلام بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. واعتقاده الراسخ اليوم أنه يستحقها قائلاً إن الرئيس أوباما الأسبق فاز بها من دون مبرر ولم يفعل أي شيء، لكنه حاز عليها بعد أشهر قليلة من حكمه. ومن أقواله: لو كنت أوباما لنلتها، وأوباما لا يستحقها، ومن الظلم أن ينالها، وقوله: أعطوها لأوباما ولم يُعرف حتى لماذا حصل عليها... والغرابة في قوله: لن أنالها مهما فعلت، ولن أحصل عليها على الأرجح، وكأنه بهذا القول يدفع لنيلها، ويترك غيره لترشيحه. ولعل أكثر الترشيحات مفارقة وغرابة أن يرشحه نتنياهو المتهم بحرب إبادة من قبل الجنائية الدولية ومطلوب اعتقاله، وهو ترشيح يفقد الرئيس ترامب مصداقية الفوز بها. وترى "سي إن إن" أن الجائزة أصبحت هوس ترامب الأقصى، الذي يقول إنها مستحقة بجدارة نظراً لجهوده في إنهاء الصراعات حول العالم.

ويبقى السؤال المهم: ماذا فعل الرئيس ترامب ليستحقها؟ وهل هو الأجدر بها بين أكثر من 300 مرشح؟ الجديد في حالة الرئيس ترامب وفي سياق نرجسيته وفردانيته وسموه الذاتي، يرى في نفسه أنه أجدر من رؤساء أميركيين نالوا الجائزة، وخصوصاً الرئيس أوباما كما رأينا. فهو، من وجهة نظره، يستحق نوبل للسلام لما قام به من مبادرات سلمية وفرت على العالم حروباً طويلة، ولجهوده بشأن كوريا الشمالية وسوريا، وما يقوم به من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية، وجهوده من أجل هدنة غزة ووقف الحرب. وأدعى أنه أنقذ حياة ثلاثة ملايين شخص يعيشون في محافظة إدلب السورية، ولدوره في وقف الحرب بين إسرائيل وإيران، ومواصلة جهوده لتفكيك قوة إيران النووية، ودوره في وقف الحرب بين باكستان والهند، وترشيح باكستان له لنيل جائزة نوبل، وهو ترشيح قد يكون له تأثيره.

وفي مقابل ذلك، التشكيك في فوزه بالجائزة بمواقفه: أولاً داخلياً، وتبنيه السياسات الشعبوية، وتضييق الخناق على المهاجرين وطردهم، والرسوم الجمركية التي فرضها على العديد من دول العالم لتؤذن بحرب اقتصادية كونية، والصراع مع الصين، وتهديده بضم كندا، وإعادة احتلال جزر غرينلاند، وموقفه من حرب غزة، ودعمه المطلق لإسرائيل بالرغم من قتل إسرائيل لأكثر من ستين ألفاً، ثلثهم من الأطفال والنساء، وتوفير غطاء لإسرائيل من أي عقوبات في مجلس الأمن. وتقزيمه لدور الأمم المتحدة، والتهديد بالانسحاب منها.

ويبقى أن الجائزة، على مصداقيتها وأهميتها، تخضع لحسابات ومفارقات سياسية قد تفقد هذه المصداقية. وقد يكون الرئيس ترامب الرئيس الرابع أميركياً الذي يفوز بالجائزة، وهو الأقرب لها. لكن الإشكالية الكبرى أن الجائزة تدعو للسلام الإيجابي والعادل، وترامب يدعو لسلام القوة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.