أمينة خيري
الغرق في الحدث يمنع إطلالات المستقبل. والطريقة الوحيدة لتجنب تكرار مآسي الماضي، وتقليص هوامش الأخطاء، والتقليل من ثغرات تنفذ منها سموم الفتنة والاضطراب هي النظر صوب المستقبل.
بيننا من يصر على النظر إلى المستقبل القابع أسفل أقدامهم. هم مساكين، غير قادرين على مجرد التفكير فيما هو أبعد من ذلك. نظراتهم المستقبلية لا تخرج عن توليفة قوامها الثأر والانتقام والإبقاء على دوائر الصراع، ولو الفكري، وليس بالضرورة العسكري.
بيننا أيضاً من يحرص على الإبقاء على غمامة الأعين التي تحول دون رؤية الخلف أو الجانبين، فتكون الرؤية خطاً مستقيماً لا تأخذ المحيط في الحسبان، ولذلك حين يفاجأ بعثرات أو عقبات أو مفاجآت تعترض طريقه، يقع في حيص بيص.
منطقتنا تتغير وتتحول. جانب من التغيير ناجم عن صراعات ونزاعات، بعضها ما زال مشتعلاً لم يُحسم بعد. جانب آخر سببه انتباه بعض الدول العربية بأن سنة الحياة التغيير، ومن لا يواكبه، والأفضل أن يسبقه، يضمن بقاءه في غرفة الأرشيف. وهناك من يعتنق مبدأ مقاومة أي تغيير، معتبراً إياه عدواً يجب صده.
وإذا كان التحكم فيما يجري في دول مجاورة ليس بالأمر الوارد بالضرورة، فعلى الأقل، حان وقت النظر إلى مستقبل الدول والشعوب، وهو المستقبل الذي بدأ بالفعل.
الارتكان على سياسات الخمسينات والستينات التي كان جزء منها قائماً على رومانسيات ثورية، أو ما يسمونه «النقاء الثوري الرومانسي» ليس مجدياً اليوم.
مستقبل المنطقة قائم على العلم والمعرفة والوعي، وعلى الاتحادات والشراكات المرتكزة على مصالح فعلية للشعوب، وعلى خروج من دوائر الفقر المفرغة إلى عوالم التنمية واللحاق بركب الحضارة، وعلى يقين بأن الحضارة ليست ماضياً عظيماً فقط، ولكن مستقبل واعد كذلك.
التطور الثقافي، والتقدم الصناعي، والتحديث الحكومي، والمواكبة التقنية، مع الحفاظ والاحتفاظ بحضارة الماضي، وخصوصية الشعوب والثقافات تصنع المستقبل.
منطقة الشرق الأوسط في مرحلة مخاض صعب ومهما طالت هذه المرحلة، فهي ستؤدي حتماً إلى جديد. الصراعات المشتعلة، والتدخلات المستمرة، والاحتقانات الطائفية وغيرها عوامل مؤثرة سلباً. ورغم ذلك، فإن المستقبل يمنح فرصاً كثيرة لمن يملك الإدراك والإرادة والعزم.
التوفيقات الوقتية، والمسكنات، وقص الأفرع المعطوبة والإبقاء على الجذور الفاسدة، وتسويف وتجاهل الحلول المستدامة رفاهية لم تعد المنطقة تملكها.
طبيعة المناطق الملتحمة جيوسياسياً وتاريخياً تجعل النجاة الفردية للدول مسألة مضنية، وإن تحققت، فاستدامة النجاة صعبة. سألت «تشات جي بي تي»: هل يمكن لدول منفردة أن تنجو بنفسها في مناطق جيوسياسية؟
وأضيف من عندي: أما إذا أصرت الدول في المنطقة الجيوسياسية على عرقلة المستقبل، فالخيار هو المضي قدماً مع عقد شراكات مستدامة مع أصحاب التفكير والأولويات والغايات المماثلة.