: آخر تحديث

هل فقدنا شجاعة «أنا آسف»..؟

13
9
9

سمر المقرن

في زحمة العلاقات اليومية وتعقيدات التواصل الإنساني، يبرز الاعتذار كجسرٍ يرمم ما تهدم، وبلسمٍ يداوي ما انكسر. ورغم ما يحمله من دلالات نُبلٍ ووعي، إلا أن ثقافة الاعتذار باتت غائبة عن كثير من ممارساتنا، حتى لتكاد تصبح عملة نادرة، لا يتداولها إلا من امتلك شجاعة التفكّر وصدق النية.

قد يتساءل المرء: لماذا أصبحت «أنا آسف» ثقيلة على الألسنة؟ ولماذا يُنظر إلى من يعتذر على أنه ضعيف أو مهزوم؟ إن هذا المفهوم الخاطئ يعكس خللاً عميقاً في نظرتنا لقيمة الإنسان لا بخطئه، بل بقدرته على مواجهته والاعتراف به. فالاعتذار ليس تراجعاً عن كرامة، بل ارتقاء بها، وهو ليس خضوعاً للطرف الآخر، بل انتصار على كبرياءٍ فارغ.

يغيب عن أذهان كثيرين أن الاعتذار فنّ يحتاج إلى وعي وصدق وتوقيت، فليس كل «عذر أقبح من ذنب»، كما يُقال، بل بعض الأعذار قد تُحيي ما مات في القلوب، وتُعيد جسوراً كانت على وشك الانهيار. ومن المؤسف أن البعض يستبدل الاعتذار بالصمت، أو يتجاوزه بتبريرات لا تُقنع ولا تُداوي، وكأن الاعتراف بالخطأ يهدّد توازنهم الداخلي.

تبدأ مشكلة الاعتذار من الطفولة، حين لا يرى الطفل والديه يعتذران لبعضهما أو لأبنائهما، يتعلّم أن الكبار لا يخطئون، وإن أخطأوا فهم لا يعتذرون. وهكذا تنمو الأجيال وهي تعتقد أن الاعتذار انتقاص، لا إصلاح. ثم تمتد هذه الثقافة لتُسيطر على علاقات الصداقة، والزمالة، والزواج، وتتحول الأخطاء إلى كُتل من الصمت، تنخر في البناء العاطفي والاجتماعي بصمت مؤلم.

المفارقة أن الاعتذار، حين يُقال بصدق، لا يُضعف العلاقة، بل يقويها. إنه يفتح باباً للحوار، ويُعيد صياغة الاحترام، ويمنح الطرف الآخر شعوراً بأنه مرئي، ومسموع، ومُقدَّر.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لثقافة الاعتذار، ليس فقط كتصرفٍ حضاري، بل كقيمة إنسانية تُعبّر عن النضج، والاحترام، وصدق النوايا. فالعلاقات لا تُبنى على الكمال، بل على التفاهم. وما الاعتذار إلا لبنة أساسية في هذا البناء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد