في عالم السياسة، لا تُشن الحروب بمعزل عن المصالح الخفية التي تُغذيها، بل هي وليدة صراعات معقدة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية والجيوسياسية والطائفية. والصراع الإيراني الإسرائيلي الحالي، الذي تصاعدت وتيرته ليس استثناء، فوراء الدمار والدمار المتبادل، تقبع أيادٍ خفية تستثمر في استمرار الحرب، سواء عبر بيع السلاح، أو تعزيز النفوذ الإقليمي، أو تمويل الجماعات المسلحة، أو حتى استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب داخلية.
يعود جذر الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى عام 1979، عندما قادت الثورة الإسلامية في إيران إلى تأسيس نظام يناقض وجود دولة إسرائيل، التي اعتبرها الخميني "سرطانًا يجب اقتلاعه"، ومنذ ذلك الحين، تحولت إيران إلى راعٍ رئيس للجماعات المعادية لإسرائيل في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية، بينما ردت إسرائيل بتشديد حصارها على حلفاء إيران، وشن ضربات استباقية ضد مصالحها النووية والعسكرية. لكن ما يُميّز المرحلة الحالية هو تصاعد التصعيد المباشر، من الهجمات السيبرانية إلى الضربات الجوية على المواقع الإيرانية، مرورا بالهجمات الصاروخية الأخيرة.
في كل مرة تنفجر قنبلة في الشرق الأوسط، ترتفع أسهم شركات تصنيع السلاح. إسرائيل، التي تصنّف ضمن أكبر خمس دول مصدّرة للسلاح، تزيد ميزانيتها الدفاعية بنسبة 5 % سنويا، بينما تستورد إيران أجزاء من ترسانتها من روسيا والصين، مما يدر مليارات الدولارات على هذه الشركات. وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، بلغ حجم تجارة السلاح العالمي في 2023 أكثر من 700 مليار دولار، مع حصة كبيرة من الشرق الأوسط.
الحروب تعد أداة لتوحيد الصفوف حول الحاكم، ففي إيران، يستخدم النظام تصاعد التوتر مع إسرائيل كذريعة لإخماد الاحتجاجات الداخلية، وتصوير نفسه كـ "حامٍ" ضد "العدو الصهيوني". أما في إسرائيل، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، يوظّف الصراع لتعزيز خطابه القومي، وتشتيت الرأي العام عن الأزمات الاقتصادية والانقسامات الاجتماعية.
حزب الله، الذي يعد الذراع العسكري لإيران في لبنان، يستفيد من الحرب بتعزيز شرعيته كـ"مقاوم" لإسرائيل، مما يضمن استمرار الدعم المالي واللوجستي من طهران، ويجذب المقاتلين الجدد. في المقابل، تستخدم إسرائيل حجة "مواجهة الإرهاب" لتبرير عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وفرض حصار على قطاع غزة، ما يخلق دورة لا نهائية من العنف. أما الولايات المتحدة، فتبيع السلاح لحلفائها في المنطقة بمليارات الدولارات، بينما تحافظ على نفوذها عبر تصوير نفسها كـ"ضامن للأمن"، مع تجاهلها لانتهاكات حقوق الإنسان.
بينما تُملأ خزائن التجّار ومحفظات السياسيين، يدفع المدنيون ثمن الحرب بدمائهم ومستقبلهم. في سورية ولبنان، تحوّلت المدن إلى أنقاض بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. وفي إسرائيل، يعيش السكان في مخاوف من الهجمات الصاروخية، بينما يهمش الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية، الذين يرون في هذا الصراع تجاهلا لقضيتهم الأساسية.
لم تقتصر تجارة الحروب على السلاح التقليدي، بل امتدت إلى سوق الهجمات الإلكترونية، التي تقدّر قيمتها بنحو 200 مليار دولار سنويا. إسرائيل، تصنّف ضمن الدول الرائدة في التكنولوجيا الدفاعية، بينما تنفّذ إيران هجمات على البنية التحتية الإسرائيلية، مما يدرّ مليارات على شركات الأمن السيبراني. في المقابل، تستثمر الولايات المتحدة في دعم هذه السوق عبر عقود مع شركات مثل "لوكهيد مارتن"، التي ربحت 7.5 مليارات دولار من عقود الدفاع في 2023. هنا، تصبح البيانات والبنية التحتية الرقمية سوقا جديدة للحروب، حيث يحوّل الصراع إلى سلعة تباع بثمن باهظ، بينما يدفع المدنيون ثمن الخصوصية والأمن الرقمي.
في ظل هذا الواقع، تُصبح المقولة الشهيرة للرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور ذات صدى عميق: "كل بندقية تُصنع، كل سفينة حربية تُبنى، كل قنبلة تُطلق، تمثل سرقة من الجياع وغير القادرين على الطعام، من العرايا وغير القادرين على اللباس"، فالحروب ليست إلا مسرحية دامية تكتب سطورها بأيدي من يبحثون عن الربح، بينما يجبر الشعب على تمثيل دور الضحية.