خالد بن حمد المالك
يتحدث الأمريكيون عن أنهم ليسوا في حرب مع إيران، وإنما هم في حرب مع المفاعل النووي لديها، بينما يرى الإيرانيون غير ذلك، فأمريكا بنظرهم عدوهم الشرير، وهم في عداء مستحكم منذ سقوط نظام الشاه، وتولي الخميني السلطة في البلاد عائداً من منفاه في باريس.
* *
بدأت الصراعات بين طهران وواشنطن 1979م بانتهاء حكم الشاه، واحتجاز النظام الإيراني الجديد لمجموعة من الأمريكيين إبان رئاسة كارتر للولايات المتحدة الأمريكية، وفشله في تحريرهم بعملية إنزال للجيش الأمريكي آنذاك، وتطورت الخلافات بقطع العلاقات، وتحويل السفارة الأمريكية إلى سفارة لفلسطين.
* *
ولم يكن المفاعل النووي سبب الخلاف الإيراني الأمريكي، وإنما ضمن التراكمات الكثيرة التي لم تساعد على إذابة الخلافات، مع ما كان من تعاون بين الجانبين في إسقاط نظام صدام حسين في العراق، ومحاولة أمريكا استرضاء إيران بتسليم السلطة في بغداد للقوى الموالية لإيران.
* *
لكن قمة التصعيد في هذا الصراع الذي يمتد لأكثر من أربعين عاماً جاء بعد الضربات التي استخدمت فيها أمريكا القوة في ضرب المفاعل النووي في ثلاثة مواقع إيرانية، واعتبرته إيران تطوراً يقتضي منها معاقبة الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
كان الرئيس الأمريكي في فترة ولايته الأولى قد مزق الاتفاق الذي تم بين إيران والرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، واعتبره كما لم يكن، وفرض عقوبات كثيرة التزم ببعضها الرئيس بايدن، لكنه أبقى على إلغاء الاتفاق، وعدم المساس بأهم العقوبات، إلى أن جاء الرئيس ترمب رئيساً لأمريكا للمرة الثانية، ففعّل العقوبات، وفتح الباب للحوار، ثم نفّذ الضربة القاتلة.
* *
القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد ظل الرئيس ترمب يكرر في كل مناسبة بأن إيران لن تكون دولة نووية، ولن تسمح أمريكا لها بذلك، وكان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو يحرضه، ويصور الأمر وكأن الهدف من النووي الإيراني القضاء الوجودي على إسرائيل، وأن إسرائيل سوف لا تسمح به، حتى ولو دخلت في حرب منفردة مع إيران.
* *
أخلُص من كل هذا إلى القول، بأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية لن تكون نهايتها بضرب أمريكا للمفاعل النووي الإيراني، وحتى إن توقفت فإنها ستكون بمثابة استراحة محاربين، ما أن تتهيأ الفرص حتى تُستأنف من جديد، فإسرائيل يثيرها الخوف من أي سلاح تمتلكه أيٌ من دول المنطقة، وترى فيه أنه سوف يوجه ضد احتلالها لفلسطين، وأمريكا عادة ما تتصرف وهي عمياء، وفقاً لإملاءات إسرائيل.
* *
ولأن المنطقة وليست إسرائيل فقط تحتاج إلى كثير من الأجواء الأمنية، وإلى كثير من الاستقرار، وإلى مزيد من التعاون، ومنع الأجنبي من التدخل في شؤون دولنا، فلا مناص من إقامة الدولة الفلسطينية، ولا خيار آخر لتحقيق السلام دون دولة فلسطينية، وأن يصاحب ذلك بناء ثقة وتعاون بين دول المنطقة.
* *
لقد صرحت القيادات الإيرانية بأن مشروعها النووي سلمي، وأن طهران لا تنوي ولا تفكر بصناعة قنبلة نووية، وأن ما تفعله هو لأغراض سلمية، فلِم لا تؤخذ على حسن النية فيما تعلنه عن حقيقة مشروعها، وتوضع الضوابط، والرقابة الصارمة، والمتابعة الدقيقة للتأكيد دورياً من التزامها بذلك، وبالتالي البعد عن استخدام القوة، بحروب لا فائدة منها؟
* *
إن المنطقة أمام أيام صعبة، ولحظات انتظار لتصعيد ربما يكون أعنف، وما لم تعالج الأزمة بحوار ومباحثات وتفاهمات تُبنى على النوايا الحسنة، وعلى الرغبة في إسكات صوت السلاح الفتاك، فإن هذه الحرب سوف تتصاعد إلى ما هو أسوأ وأخطر وأشد فتكاً، دون وجود أي نصر لأي طرف فيها.