: آخر تحديث

قصف عنيف.. هدوء نسبي

2
3
3

علي عبيد الهاملي

ربما ينسى الناس مشاهد كثيرة من الحرب الإسرائيلية الإيرانية الدائرة في المنطقة، لكنهم لن ينسوا مشهد مغادرة المذيعة سحر إمامي للاستوديو، والحطام يتساقط من حولها، عندما تعرض مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية للقصف، الأمر الذي تبعه تهديد الحرس الثوري الإيراني لقنوات تلفزيونية في إسرائيل، وطلب إخلائها من طواقمها تمهيداً لقصفها.

هذا الاستهداف المتبادل لوسائل الإعلام يعيدنا إلى الصعوبات التي تواجه الإعلاميين أثناء أداء عملهم، وإلى المعاناة التي يلاقونها وهم يحاولون نقل الصورة إلى جمهورهم. صحيحٌ أنّ لما ينقلونه وجوهاً عدة، لكن الزوايا المختلفة هي التي تصنع في النهاية الصورة الكاملة، وتمنح الإعلاميين الحق في الحماية التي يجب أن يحصلوا عليها، لأن الجمهور هو صاحب الكلمة في الحكم على أداء كل وسيلة إعلامية، وهو صاحب القرار في متابعتها أو الانصراف عنها إلى وسيلة أخرى يرى أنها أكثر مصداقيةً، أو أكثر اتساقاً مع وجهة نظره.

للحرب ضحايا كُثْر، منهم المراسلون الحربيون والإعلاميون، والطواقم الطبية والمسعفون، والمدنيون بشكل عام. هذه حقيقة لا خلاف عليها، ففي حين يرى الجميع أن وسائل الإعلام نوافذ يطل الناس من خلالها على ما يحدث، إلا أن من يديرون المعارك يعتبرونها ساحة من ساحاتهم وهدفاً مشروعاً لهم. وهذا يعرض العاملين في وسائل الإعلام للخطر، كما أنه يقلق الذين يتابعون المشهد من داخل الدائرة وخارجها، ويؤمنون بأن كل الحروب، باستثناء الدفاع عن الأوطان، عبثٌ واستهتار بحياة البشر، خاصةً عندما يكون وقودها فئات يُفترَض ألّا تكون أهدافاً لمن يدير المعارك ويوجّه فوهات البنادق والمدافع والصواريخ وقاذفات القنابل من كلا الأنواع والأحجام.

حماية الإعلاميين أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، سواء كانوا صحفيين محترفين أو عاملين مساعدين ضمن طواقم إعلامية، تنظمها قوانين واتفاقيات دولية معروفة، منها اتفاقيات جنيف (1949) والبروتوكولات الإضافية (1977)، حيث تنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لبروتوكولات جنيف على أن «يُعامَل الصحفيون الذين يباشرون مهام مهنية خطرة في مناطق النزاع كمدنيين، ويجب حمايتهم طالما لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية». أي أن الإعلامي يُعد مدنياً، يجب ألّا يُستهدَف، من الناحية القانونية.

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن قراراتٍ عدة تؤكد ضرورة حماية الصحفيين، ومحاسبة المعتدين على الإعلاميين، واعتبار الاعتداء المتعمّد عليهم جريمة حرب. من أبرز هذه القرارات القرار 1738 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يدين الهجمات على الصحفيين، ويطالب باحترام حقوقهم في النزاعات المسلحة. وهناك القانون الدولي الإنساني (IHL) الذي يوفر حمايةً عامةً لكل من لا يشارك مباشرةً في القتال، بمن فيهم الإعلاميون، ويحظر مهاجمة وسائل الإعلام أو المعدات التقنية ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية.

وفي محاولة لتطبيق هذه القوانين، تعمل مؤسسات مثل لجنة حماية الصحفيين، ومراسلون بلا حدود، واليونسكو، على توثيق الانتهاكات، والضغط من أجل المحاسبة، ودعم برامج لحماية الإعلاميين وتدريبهم. ولكن رغم هذه الحماية القانونية، فإن الانتهاكات ضد الصحفيين في مناطق النزاع لا تزال شائعةً جداً، حيث يواجه الإعلاميون خطر القتل، والاختطاف، والتعذيب، أو الاعتقال التعسفي. ويعود هذا غالباً إلى ضعف آليات المحاسبة، والطبيعة الفوضوية لبعض النزاعات، واستخدام بعض الأنظمة للإعلام سلاحاً أو تهديداً.

في موسم شهر رمضان 1430 هجرية (2009م) أنتجت قناة «روتانا خليجية» مسلسلاً من إخراج التونسي شوقي الماجري، وتأليف الكاتب السوري خالد خليفة، وتمثيل مجموعة من الممثلين العرب، منهم النجم السوري عابد فهد والنجمة المصرية نيللي كريم. كان اسم المسلسل «هدوء نسبي». تدور الأحداث في المسلسل حول مجموعة من الإعلاميين من دول مختلفة، يجتمعون في العراق قبل الغزو الأمريكي بأيام، ويبقون فيه شهراً كاملاً بعد الاحتلال، قبل أن يعودوا إلى بلدانهم. خلال تغطيتهم للأحداث يبدأ كل واحد منهم سرد تفاصيل حكايته، وخلال هذه التغطية نلمس معاناة المراسلين أثناء الحروب، خاصة عندما تكون القوى غير متكافئة. المسلسل يصور بشكل مؤثر معاناة الإعلاميين تحت النيران أثناء الحروب من أجل نقل الصورة التي يتابعها المشاهدون وهم في غرف نومهم تحت هواء المكيفات المنعش.

ما بين قصف عنيف وهدوء نسبي يؤدي الإعلاميون عملهم كي يوصلوا رسائلهم، معرّضين أنفسهم للخطر. هذه ضريبة يدفعونها عن طيب خاطر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد