: آخر تحديث

لضرورة بريدية ظهر اسم محمد رشاد سالم

4
3
4

في أثناء نشر «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة لمطبوعاتها التي كانت معظمها كتيبات لأبي الأعلى المودودي المعرّبة من لغة الأوردو، لم يُعرف اسم من أسماء أعضائها سوى اسم محمد رشاد رفيق سالم، المذكور في مطبوعاتها بأن توجه الرسائل إلى اللجنة إليه وإلى عنوانه البريدي المرفق باسمه.

ولقد حرص شباب هذه اللجنة في مطبوعاتهم في تلك الأثناء على كتمان أنهم ينتمون إلى «الإخوان المسلمين»؛ فقد خلت هذه المطبوعات من الإشارة إلى الانتماء إلى هذه الجماعة الدينية السياسية التي كانت في مطلع الخمسينات الميلادية من القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة والوازنة بتنظيمها المسلح (النظام الخاص أو التنظيم السري) وبأتباعها الكثر في المجتمع المصري!

كما أن اللجنة تجنَّبت الإشارة إلى هذا الأمر، حين عرفت بنفسها في بعض مطبوعاتها!

ونلمس هذا الحرص أيضاً في تعريف محب الدين الخطيب بها في تقديمه لكتاب مسعود الندوي «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان»، الذي هو من مطبوعاتها؛ فلقد اقتصر في تعريفه بها على القول إنها «تألفت في مصر من متخرجي الجامعات المصرية»!

اقتصاره على القول بهذا في التعريف بأعضاء اللجنة، وسكوته عن ذكر أنهم شباب ينتمون إلى «الإخوان المسلمين» كان استجابة لرغبتهم في التكتم على هذه المعلومة.

مجلة «الأزهر» التي تضمنت في بعض أعدادها الصادرة في تلك الآونة عروضاً مختصرة لبعض مطبوعات أو منشورات «لجنة الشباب المسلم» حين صدورها، أشارت إلى تلك المعلومة في عرضها المختصر لكتيب «رسالة الصلاة للإمام أحمد»، الذي راجعه أو حققه الأديب محمود محمد شاكر، الصادر عن «لجنة الشباب المسلم» عام 1952، فلقد قالت معرِّفةً بهم: هم طائفة من خريجي الجامعات المصرية المنتسبين إلى «الإخوان المسلمين».

مصدر هذه المعلومة قد يكون محمود محمد شاكر أو محمد فريد وجدي رئيس تحرير المجلة في ذلك الوقت.

إن السطور السابقة تثير قضيتين في تاريخ نشأة «لجنة الشباب المسلم» في مطلع الخمسينات الميلادية، التي كانت نشأتها الأولى - بوصفها فكرة وكياناً مستقلاً داخل جماعة الإخوان المسلمين - عام 1947، قبل أن تحمل اسم «مكتبة الشباب المسلم».

القضية الأولى أنه، في أثناء نشر «لجنة الشباب المسلم» لمطبوعاتها لم يظهر اسم عضو من أعضائها. وظهور اسم العضو محمد رشاد رفيق سالم لا يجوز استثناؤه من هذا الحكم، لأن ظهور اسمه كان لسبب اضطراري حتَّمته ضرورة بريدية. أقصد: لم يظهر اسم من أسماء أعضائها بالتناوب - مثلاً - على كتابة مقدمات لكتب المودودي التي تنشرها لجنتهم: «لجنة الشباب المسلم»، مع أن بعضهم - كما بان بعد سنوات لاحقة - يحسنون الكتابة ويتقنون كتابة البحوث.

القضية الثانية: هي تكتم اللجنة الشديد على أنها تنتمي لـ«الإخوان المسلمين». فالقارئ لمطبوعاتها في ذلك التاريخ المشار إليه، سيحسب أن «لجنة الشباب المسلم» فرع مصري للجماعة الإسلامية في الباكستان والهند!

تفسير هذه القضية في المتناول من الفهم، فتجنب اللجنة للنص على أن أعضاءها من الإخوان المسلمين هو للتأكيد على أن نشاطهم في نشر كتب المودودي المعرَّبة، وفي نشر كتب دينية قليلة أخرى، أنهم يقومون به بمعزل عن سياسة النشر المتَّبَعة في الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين في منشوراتها، سواء أكانت صحفاً أم مجلات أم كتباً. وهذا الحيز المستقل في العمل الثقافي الفكري حق كان قد منحهم إياه حسن البنا حين بدأوا نشاطهم بمجموعة مكونة من تسعة شباب في مستهل دراستهم الجامعية عام 1947. وقد كان قد أذن لهم باختيار مَن يرونه من شباب «الإخوان المسلمين» للانضمام إلى مجموعتهم الصغيرة، التي كانت تحمل اسم «المشروع»، فاختاروا مِن هؤلاء الشباب سبعين شاباً. وكان نشاطهم في هذه المرحلة منصبّاً على التزود من الثقافة الدينية والثقافة العربية والثقافة الحديثة عبر القراءة، ومن خلال الاتصال الشخصي ببعض الأدباء والأكاديميين من ذوي الميول الإسلامية، للاستفادة منهم في التثقف بتلك المجالات، لكي يكونوا مثقفين دينيين معاصرين. فطموح كهذا أدرك مؤسسو مجموعة «المشروع» أن شروطه الأساسية لا تتوفر في التربية السياسية والحزبية والعقائدية لجماعة الإخوان المسلمين.

حسن البنا كان اتفق مع مؤسسي هذه المجموعة على أن يفرغهم لهذه المهمة التي انتدبوا أنفسهم إليها، مقابل ألا تتولى الجماعة الصرف المالي على نشاطهم، كاستئجار مقر لهم لتجمعهم واستئجار محل للمكتبة وشراء كتب يعرضونها في المكتبة لبيعها. لكن سرعان ما توقف نشاطها مع قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1948، ثم بعد فترة استأنفوا نشاطها.

أما تفسير القضية الأولى، فأعزوه إلى أن مؤسسي مجموعة «المشروع» أو كما تسموا فيما بعد بـ«لجنة الشباب المسلم» في الأصل هم قادمون من «التنظيم السري» في جماعة الإخوان المسلمين، فألقت هذه التجربة - التي من طبيعتها الغموض والتخفي والتستر والتكتم - بظلالها على طريقة تفكير تلك المجموعة، رغم أنها في مرحلة «لجنة الشباب المسلم»، مرحلة نشر كتب المودودي، كانت منفصلة عن «التنظيم السري» في جماعة الإخوان المسلمين. مرحلة النشر هذه بدأ التفكير بها عندما تعرف أعضاء تلك المجموعة على كتب المودودي عن طريق عبد العزيز عقيل العقيل، الذي قدم من العراق إلى مصر في أواخر عام 1949، للدراسة في جامع الأزهر. ففي كتب المودودي وجدت هذه المجموعة ضالتها الفكرية التي كانت تبحث عنها طويلاً خارج أسوار فكر «الإخوان المسلمين» الضعيف في تنظيره الديني والضحل في ثقافته الحديثة.

وضالتها الفكرية التي تمثلت بفكر المودودي، وهو ما كان يرى المؤسسون التسعة للمجموعة أن فكر «الإخوان المسلمين» يفتقر إليه، وبتبنيهم نشر فكر المودودي عبر «لجنة الشباب المسلم»، أرادوا خلق بنية دينية، سياسية وفكرية محددة، عوضاً عن ترديد مقولة «الإسلام: دين ودولة»، وهي المقولة التي يعتقد - خطأ - الكثير من الدارسين والمثقفين أن من سكّها هم «الإخوان المسلمون»، لكثرة ما يكررونها أو اعتماداً على خطاب حسن البنا في المؤتمر الخامس لـ«الإخوان المسلمين»، عام 1938، الذي قال فيه: «أحكام الإسلام تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة. فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية و(دين ودولة)، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف».

ومع اطلاع سيد قطب على كتب للمودودي نشرتها «لجنة الشباب المسلم» إلى عام 1953، وكتب أخرى له نشرتها «دار الفكر» الدمشقية التي كان يُنظِّر من خلالها، تحقق لـ«الإخوان المسلمين» ما أرادته تلك المجموعة لهم، وهو أن يكون لديهم فكر ذو قوام أو ذو جسم محدد. هذا الجسم المحدد هو «الأطروحة القطبية» التي هي إعادة صياغة لـ«الأطروحة المودودية» ببيان عربي مشرق. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد