: آخر تحديث

أكبر ألغاز إيلون ماسك

3
3
3

هل يجب على أي ثنائي من «الرجال العظماء» المحتملين في التاريخ أن ينتهي بهما المطاف إلى الصراع؟ اسأل يوليوس قيصر وبومبي، أوكتافيان وأنطوني، أو حتى (عضوي فريق «البيتلز» الموسيقي الشهير) جون لينون وبول ماكارتني. لكن ما يتصارعون عليه بالضبط يكون أقل قابلية للتنبؤ. لم أكن لأتخيل، قبل ستة أشهر، أن معركة أكتيوم بنسختها المعاصرة بين إيلون ماسك ودونالد ترمب ستكون حول عجز الموازنة.

ذلك لأنني، قبل ستة أشهر، كنت أرى اهتمام ماسك بالسياسة وتحوله التدريجي بعيداً عن ليبرالية عهد أوباما وإعادة اختراعه لنفسه زعيماً لليمين الرقمي، كنت أراها كلها انعكاساً لهدفين رئيسين: رغبته الجديدة في التصدي لتيار «اليقظة الثقافية»، وهي رغبة نابعة من تجربة التحول الجنسي لأحد أبنائه، ورغبته القديمة الجوهرية التي شكلت مسيرته المهنية: إرسال البشر إلى المريخ.

هاتان الرغبتان عزز بعضهما بعضاً. كان ماسك يتجه يميناً في القضايا الثقافية حين اشترى «تويتر»، ما جعله يتخلص من تحالفاته اليسارية السابقة التي كانت توفر له الدعم والرعاية من الديمقراطيين. هذا جعله أكثر ميلاً للتحالف الكامل مع ترمب والجمهوريين، إذ بدا واضحاً أن إدارة برئاسة كامالا هاريس ستكون معادية تماماً لمشاريعه التكنولوجية. وقد سبق له أن راهن بكل ما يملك في مشاريع جامحة، خصوصاً حلم الصواريخ المتجهة إلى المريخ، فبات رهانه السياسي طبيعياً.

وفق هذا الفهم لنياته، توقعت أن يلعب ماسك في إدارة ترمب الثانية دوراً يجمع بين كونه كبير التكنولوجيين، ورائد إزالة التنظيمات الحكومية، ومحارباً ضد تيار «اليقظة الثقافية»، تركيز على الفضاء والتكنولوجيا مع لمسة من حرب الثقافة.

لكن هذا لم يحدث. نعم، لعب جزئياً دور المحارب الثقافي في بعض التبريرات الآيديولوجية لحملة الكفاءة الحكومية ضد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، لكنه لم يكن المحرك الرئيس لمعركة البيت الأبيض ضد تيار «اليقظة».

كما أنه لم يتولَّ دوراً قيادياً في جهود الإدارة لتخفيف القوانين والقواعد التنظيمية الحكومية. كان هذا جزءاً من خطة لجنة الكفاءة الحكومية التي تولاها، لكنه تعثر عندما دفع إلى الإطاحة بشريكه في اللجنة فيفيك راماسوامي.

وبدلاً من ذلك، قدّم ماسك مشروعه الكبير على أنه حملة لخفض العجز، مغلفة بلغة نهاية العالم حول أزمة مالية وشيكة، وهي نغمة كانت قد اختفت من اليمين منذ ظهور ترمب على المسرح في 2015.

حدّة هذا الخطاب، إلى جانب الصعوبة الواضحة في تحقيق وفورات بمليارات الدولارات من خلال خفض عدد موظفي الوكالات الفيدرالية، جعلتا كثيرين يظنون أن كل ذلك مجرد دخان، وأن لجنة الكفاءة الحكومية لم تكن سوى وسيلة لمساعدة الدائرة الضيقة لترمب على فهم كيفية السيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية.

وبالفعل، هناك من داخل البيت الأبيض من يرى أن اللجنة منحتهم نظرة معمّقة إلى الدولة الإدارية. لكن إذا أخذنا نيات ماسك كما صرّح بها، فأنا أصدقه إلى حدّ بعيد: يبدو أنه تبنّى رؤية لدوره في واشنطن كنسخة فردية من لجنة «سيمبسون - بولز» (التي شُكّلت في عهد إدارة أوباما لمعالجة العجز الفيدرالي)، لكن بطاقة ذهنية تجعله ينجح حيث فشل «الصقور الماليون» السابقون.

لكن ما يثير فضولي حقاً هو: لماذا اختار هذا الدور بالتحديد؟ لم يكن الهوس بعجز الميزانية جزءاً كبيراً من شخصية «المشاكس الحادّ» التي تبنّاها ماسك على وسائل التواصل. في أوساط اليمين الجديد، يُنظر لقضايا العجز على أنها مملة.

فهل كان ذلك مجرد رد فعل طبيعي من رئيس تنفيذي أعطي بعض السلطة في واشنطن؛ أن أول شيء يفعله بعد «الاستحواذ» هو إصلاح التدفق النقدي؟ وإذا كانت التقارير عن تعاطيه للمواد المخدرة صحيحة، فهل هناك ما يجعل الكيتامين يمنح الميزانية الفيدرالية سحراً خاصاً؟ أو أن أحدهم أقنعه بأن الإسراف المالي هو العقبة الكبرى أمام تحويل البشر إلى نوع كوني، الحاجز العظيم الذي سيمنعنا من الهروب إلى النجوم؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا الشخص أسدى لنا جميعاً خدمة سيئة. ليس لأن العجز غير مهم، بل لأنه مجال لا يمتلك فيه ماسك كفاءة خاصة، ولا تصلح أدوات وادي السيليكون التي صقلها في القطاع الخاص للتعامل مع التحدي السياسي لضبط نفقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

من الواضح أن ماسك لم يتوقف عن الاهتمام ببرنامج الفضاء: قرار البيت الأبيض (الغامض بدوره) بسحب ترشيح مرشحه المفضل لرئاسة «ناسا» كان أحد العوامل التي دفعته إلى معارضة تشريع ضريبي أساسي.

لكن في المعركة الخطابية التي يخوضها حالياً (بما في ذلك الهدنة المؤقتة) ضد صديقه الرئاسي السابق، لا يلعب ماسك دور المستقبليّ المُحبط، ولا الديناميّ الذي خذله الشعبويون. بل يتقمص دور «مُوبّخ العجز»، وهو دور لطالما شغله المملّون ومحبو إفساد المتعة (وقد كنت أحدهم أحياناً، صدقوني). وهذا موقع ضعيف جداً لإطلاق طموحاته الكونية مجدداً. قال ماسك عندما احتدم الخلاف: «أمام ترمب ثلاث سنوات ونصف أخرى رئيساً، لكنني سأكون موجوداً لأكثر من 40 عاماً».

أما أنا، فتوقعي أن إنتاجية ماسك في العقود الأربعة المقبلة ستكون أعظم إذا أدرك أن إصلاح العجز الفيدرالي هو مشروع طموح، لكن يجب أن يُترك لغيره.

* خدمة «نيويورك تايمز»


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد