السذاجة الإسرائيلية المعتادة أفادت اللجنة الوزارية العربية الإسلامية التي كانت قد تشكلت بقرار من القمة العربية الإسلامية المشتركة، والمكلفة التحرك الدولي لوقف الحرب على قطاع غزة؛ إذ تصورت أنها تضرها؛ لكنها على العكس من ذلك، جعلت متابعات أخبار اللجنة عالية جداً، وقفزت بقراءات نشاطها إلى أعلى وأعلى.
تتحرك اللجنة في كل اتجاه مند تشكيلها وتكليفها، أي منذ انعقاد القمة في المملكة العربية السعودية السنة الماضية. فلم تترك عاصمة لصناعة القرار في العالم إلا وذهبت إليها، ولم تَدَع صانع قرار في عاصمة مهمة إلا وشرحت له ما تُخفيه آلة الدعاية الإسرائيلية وتحاول الشوشرة عليه. تلك الدعاية التي لا يخيفها شيء، قدر ما يخيفها أن يكون العالم على دراية بحقيقة ما ترتكبه حكومة التطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، ضد الفلسطينيين في القطاع.
ولولا أن تل أبيب تعرف جيداً ماذا حققت اللجنة، ما كانت قد وقفت في طريق زيارتها رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وما كانت قد تعنتت في موقفها ضد الزيارة، وما كانت قد أعلنت أنها لن تتعاون لإتمامها. ولكن المَثَل يقول: «رُبَّ ضارة نافعة»، فلقد كان الضرر الذي تخيلته حكومة التطرف الإسرائيلية، وهي تتحامق ضد اللجنة، مفيداً لها من حيث لا تقصد إسرائيل. فهذا ما تابعه العالم كله ورآه من كل مكان.
إن اللجنة عربية إسلامية، وهي منبثقة عن قمة انعقدت بهذه الصفة المشتركة، وبالتالي، فهي تتحدث بلسان 58 دولة تضمها جامعة الدول العربية ومعها منظمة التعاون الإسلامي. وعندما تتحدث لجنة باسم هذا العدد من الدول، فلا بد من أن حديثها لا يُريح الإسرائيليين، ولا بد من أنهم لن يجدوا وسيلة للكيد إلى اللجنة إلا وسوف يستخدمونها ضدها على الفور. وقد كان تعطيل الزيارة إلى رام الله نوعاً من هذا الكيد، لولا أنه كان كيداً من النوع الذي يرتد إلى صدر صاحبه في كثير من الأحيان.
تخيلَتْ حكومة التطرف أنها بكيدها قد أبطلت عمل اللجنة، وأحبطته، وأفرغته من مضمونه، ولكنها سرعان ما ترامت إليها الأنباء بأن اجتماع اللجنة بأعضائها كاملين قد انعقد مع الرئيس الفلسطيني. سرعان ما سمعت إسرائيل -وهي لا تكاد تصدق- أن الاجتماع انعقد بكامل هيئته، وأن ذلك تم وفق تقنية الاتصال المرئي، وأن حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، ومحمد مصطفى، رئيس الحكومة الفلسطينية، قد انضما إلى الاجتماع، وأن ما كانت اللجنة تريد أن تحمله إلى رام الله خلال الزيارة، قد وصل مُسجلاً بعلم الوصول إلى الطرف الفلسطيني، وبشكل كامل غير منقوص!
ولا بد من أن تل أبيب قد تابعت أنباء الاجتماع وهي بين الدهشة والذهول، ولا بد من أنها قد ندمت على الوقوف في طريق الزيارة، ولا بد أيضاً أنها قد تمنَّت لو رحبت بها وفتحت أمامها الطريق. فلو حدث هذا لكانت الزيارة قد مرَّت في هدوء، ولكان الاجتماع قد انعقد من دون الصخب الذي رافقه عندما انعقد بتقنية الاتصال المرئي.
كل ما كانت اللجنة تريد أن تصل به إلى الرئيس الفلسطيني قد وصل وزيادة، وكل ما كان الحديث سيدور حوله قد جرى مُضافاً إليه اهتمام إعلامي وسياسي مضاعف، وكل ما كانت إسرائيل تخشاه من الزيارة قد تحقق بفضل السذاجة الإسرائيلية المعتادة.
فالدنيا كلها عرفت أن مؤتمر التسوية السلمية وحل الدولتين كان على رأس بنود الاجتماع، والدنيا كلها عرفت أن اللجنة أحاطت رام الله بآخر أخبار المؤتمر الذي سينعقد هذا الشهر في نيويورك، برئاسة مشتركة، سعودية- فرنسية.
والدنيا كلها قد عرفت أن اللجنة ازدادت في اجتماعها تمسكاً بالترويج لتمكين الفلسطينيين من حقوقهم العادلة، وأنها استعرضت مع القيادة الفلسطينية في رام الله تفاصيل برنامج التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة الذي سيبدأ عمله فور وقف الحرب، وسيبني على الخطة العربية التي أقرتها القمة المنعقدة في القاهرة 4 مارس (آذار) الماضي.
الدنيا كلها عرفت هذا وسواه مما احتواه الاتصال المرئي، ولا شك في أن إحاطة الدنيا بذلك كله يعود الفضل فيها -عن غير قصد طبعاً- إلى حكومة التطرف في تل أبيب التي صوَّرت لها غطرستها أنها يمكن أن تمنع جدول أعمال الاجتماع من الخروج للنور. تصورت هي ذلك ما دامت قد وقفت في طريق انعقاده، غير أنها لم تكن تتوقع أن يرتد كيدها إلى صدرها، ولا كانت تنتبه إلى أنها وهي تمنع انعقاد الاجتماع إنما تقوم بدعاية مجانية له، ولجدول أعماله، ولكل التفاصيل المتضمنة فيه.
إننا نجد أنفسنا أمام لجنة تكشف دولة، هذا إذا جاز أن توصف إسرائيل بأنها دولة، بينما هي تتحلل على مرأى من العالم من أي مسؤولية تعرفها الدول وتلتزم بها. إن ما جرى ويجري في أرض القطاع يقول للعالم -وليس لنا وحدنا- إن مسمى الدولة الذي تقول به العلوم السياسية لا يعرف إسرائيل ولا هي تعرفه.