أحمد محمد الشحي
وتتجلى عبر هذه المسيرة الإنسانية حقيقة مهمة ألا وهي أن من أهم ركائز هذه النهضة المنشودة تحقيق المواطنة الصالحة في نفوس الأفراد، وترسيخها ثقافة وسلوكاً يتجذر في الأسرة، وينتشر في المجتمع على مختلف أطيافه وفئاته.
فحين يضعف الانتماء، ويغيب الشعور بالمسؤولية، وتستبدل مصلحة الوطن بالمصالح الشخصية والحزبية والفئوية تتراجع الأدوار، وتنكفئ حول هذه المصالح الضيقة، وتنحسر عن التعاون المشترك في سبيل المصالح الكبرى، ليبدأ البناء في التآكل من الداخل والضعف والانهيار. وتبدأ جذور المواطنة الصالحة من الفرد، من ضميره الحي، ووعيه الأخلاقي، وتربيته في بيته على الاحترام والتسامح والتعاون، وحسن إدارة الاختلافات التي تواجهه بحكمة.
وتغليب المصالح العامة للأسرة على المصالح الخاصة والأهواء الشخصية، ثم تمتد هذه القيم إلى علاقة الفرد بمحيطه الاجتماعي ككل، فتترسخ في نفس الطفل حين يرى والده يوقر الجار، ويصدق في الحديث، ويصون الأمانة، ويحب الخير للآخرين، وتتدفق منه ممارسات العطاء والرفق والسلام، فيكون الفرد قدوة حسنة في محيطه، ومصدر إلهام لأبنائه وزملائه ومجتمعه.
وترسخ قيم المسؤولية والاحترام في العالم الإلكتروني، ليمثل الفرد وطنه في فضاء العالم الرقمي بحسن أخلاقه وجمال سلوكه، حيث لا يقل تأثير الكلمة عن الفعل، ولا يقل التأثير فيه عن الواقع. كما تتسع تجليات المواطنة الصالحة، لتشمل سلوك الإنسان خارج حدود وطنه.
حيث يكون سفيراً لقيم بلاده، وترجماناً لثقافته، ومرآة لأخلاق مجتمعه، فيؤثر في غيره، وينقل إليه أجمل ما في مجتمعه من أصالة ونبل، وهكذا يتحول إلى قوة ناعمة لوطنه، يعزز الخير، ويجسد مبادئ التسامح والتعاون، ويسهم في ترسيخ الأمن والسلام.