: آخر تحديث

فرنسا و«الإخوان»

10
4
8

تثير التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تساؤلاتٍ عن أهمية التقرير الصادر عن نشاطات جماعة «الإخوان المسلمين» داخل فرنسا، ودوافعه، وتوقيته. وهي التساؤلات الأساسية المصاحبة لكل تطور سياسي. هل الموضوع شأن داخلي تعبر فيه القيادة الفرنسية عن تخوفاتها من تغلغل الجماعة داخل صفوف المسلمين في فرنسا، وأثرها على التوجه العلماني للدولة؟ أم أن له بعداً جيوستراتيجياً أوسع يأخذ في الاعتبارات صعود نفوذ الإسلام السياسي في سوريا؟ المنظور الرسمي في باريس يقدم الموضوع على أنه تطور طبيعي لانتباه القيادة الفرنسية إلى خطر تغلغل الجماعة. حسب التقرير، تسيطر الجماعة بشكل مباشر على 7 في المائة من المساجد والمراكز الإسلامية يتردد عليها 91 ألف مصل منتظم. كما تمد نشاطها إلى الجماعات الثقافية والمراكز الرياضية والمدارس. وخلال الفترة من 2019 إلى 2024 تضاعف عدد أفراد الجماعة داخل الدولة.

وسبق للرئيس الفرنسي أن تحدث عن هذا الخطر من زاوية أخرى، أشار فيها إلى التحالف الإسلامي اليساري وتغلغله في الأكاديميا. والحديث برمته لا يخرج أيضاً عن اتجاه عام في أوروبا والولايات المتحدة يحذر من خطر تغلغل الإسلام السياسي. كما يرتبط باعتبارات سياسية داخلية تتعامل مع صعود ملف الهجرة إلى أولويات الناخب الأوروبي، والاتجاه نحو اليمين الذي لم تكن فرنسا بمنأى عنه.

هذا التفسير لا تعوزه الأدلة، حتى لو فتحنا المنظور ليشمل أبعد من فرنسا. بريطانيا على سبيل المثال، ورغم أن حكومتها الحالية عمالية ذات صلات تاريخية بمجتمعات المهاجرين، تتجه في الآونة الأخيرة إلى تشديد قوانين الهجرة ووضع مزيد من الاشتراطات الثقافية على اللوائح المنظمة للمواطنة.

وفقاً لهذا التفسير، فإن ما نشهده محاولة مشروعة من الدولة الفرنسية لاستعادة زمام المبادرة، وفرض احترام قوانينها وقيمها، وتحصين مجتمعها ضد تأثيرات سلبية تهدد التماسك الوطني.

على الجهة المقابلة، التشدد في التصريحات لا يعني دائماً جاهزية الإجراءات. فلماذا تُرفع السرية عن تقريرٍ لم تُصَغْ السياساتُ المتعلقةُ به بعد؟ هذا ما يجعل المتابعين يبحثون عن دوافع محتملة أخرى تبرر خروج تصريحات بشأن هذا الملف في توقيت معين. لنعد إلى السؤال الذي سبق الإشارة إليه عن احتمال وجود دافع سياسي أوسع من حدود فرنسا، وربما يتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، وتلويح فرنسا ودول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية.

نتائج المشاريع السابقة، التي لعب دور البطولة فيها «الإخوان المسلمون»، لم تفِ بالنتائج التي روجها السياسيون الغربيون لمواطنيهم. كما لم تعمل أداة جذب عكسي للمهاجرين من أوروبا إلى الشرق الأوسط، على العكس، ارتبطت بزيادة موجات الهجرة وزيادة الاضطرابات.

وبالتالي أثبتت المشاريع السابقة أن «الإخوان المسلمين» ليسوا بالقوة التي صوروا أنفسهم عليها. انحسروا في تونس ومصر ولم تستقر لهم الأمور في ليبيا. كما توترت علاقة الغرب بحلفائه في المنطقة.

الدافع الإضافي في إعادة النظر إلى صلاحية جماعة «الإخوان المسلمين» كشريك سياسي للغرب كان عالمية الدعوة وارتباطهم الهيكلي العابر للحدود. تدفعهم طبيعة التنظيم تلك إلى مساومة القضايا الداخلية، أي تحويلها من شأن داخل حدود دولة وطنية إلى قضية عابرة للدول. سواء بتجييش الأقليات المسلمة أو بتنظيم النشطاء الطلابيين. من الملاحظ في هذا الصدد أن عدة دول غربية تحركت ضد المؤسسات التعليمية التي تنشط فيها جماعة «الإخوان» بإجراءات تستهدف التأشيرات أو حجب التمويل. ساهمت أحداث 7 أكتوبر في إحياء هذه المخاوف، ومن وجهة نظري بدأت كتابة فصل الختام في فشل صفقة «الإخوان» مع الغرب في الحقبة الحالية. وقدمهم كقوة تضمر الشر لمساعي السلام في المنطقة.

في النهاية لا نملك الجزم بالدوافع الفرنسية. العنصر الداخلي أكيد، أما الجيوستراتيجي فتفسير لا يستند إلى عنصر حاسم بقدر ما يستند إلى محاولة لتكثيف بخار يمتد من إيران شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً، على مدى عقود.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد