خالد بن حمد المالك
ظهرت تسريبات مفتعلة عن أن مغامرة حركة حماس في السابع من أكتوبر كانت لمنع المملكة من أن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل، ربما يكون المصدر من حركة حماس، وقد يكون إسرائيلياً، لكن وجهتي النظر في الهدف بين الطرفين واحدة ومتطابقة، وهو استمراء الكذب فيما لا صحة فيه، حول خلق سبب واهن والبناء عليه للتبرير لهذه المغامرة من جانب حركة حماس، وفي المقابل التركيز على التطبيع السعودي من الجانب الإسرائيلي لخلق حالة مفتعلة لهدف في نفس نتنياهو.
* *
حسناً، أسأل هؤلاء ما علاقة هجوم حماس على إسرائيل بتطبيع المملكة معها، وهو قرار سيادي للمملكة لا يمنعه ما حدث من هجوم كارثي ألحق الضرر كثيراً بالفلسطينيين، وهمّش مطالبهم بدولة فلسطينية، وجعلهم جوعى، وبلا مأوى، ومحاصرين، وفقدوا سلطتهم على غزة، وهم الآن بين قتلى، أو مصابين، أو مشردين، وديارهم باتت أرضاً خالية من المباني بعد تدميرها؟
* *
المملكة لا تمانع من التطبيع ولكن بشروطها، وهو أن يكون التطبيع مقابل دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، ودون ذلك فلا تطبيع، والرياض هي من تبنت وأطلقت مشروع المبادرة العربية، وصادق عليها جميع العرب، ونصها يتطابق مع موقف المملكة من أن إقامة دولة للفلسطينيين ملزمة لإسرائيل مقابل التطبيع معها، فما الفرق بين أن يكون التطبيع قبل أو بعد مغامرة السابع من أكتوبر، بافتراض أن هذا الافتراء صحيحاً، مع أن دولاً عربية كثيرة كانت اعترفت بإسرائيل، ومع ذلك فلم تنقد الرياض إلى نفس المسار؟
* *
وإذا اعترفت المملكة، وهذا افتراض غير وارد ما لم يتم الاتفاق مع إسرائيل على قيام دولة فلسطينية، أليس الفلسطينيون هم من أول من اعترفوا بإسرائيل بعد مصر والأردن، وإن انسحبت إسرائيل من التزاماتها بعد الاعتراف الفلسطيني بها، وأصبحت لاحقاً ترفض الجلوس معهم على طاولة الحوار، وترفض إقامة الدولة الفلسطينية، وتعلن على الملأ بأن ما حدث في أوسلو من اتفاق توج بمباركة أمريكا كان غلطة، وأنها أصبحت من الماضي ولن تتكرر.
* *
هذا الترويج الخبيث المقصود منه الإساءة للمملكة، سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين باستحضار أسباب مخالفة للواقع عن أحداث السابع من أكتوبر، وهو هروب من حماس عن تحمل مسؤوليتها في هذا الحدث الذي أضر بالقضية الفلسطينية، برميها الأسباب خارج الواقع، وهو مبرر مفتعل ما لبثت إسرائيل أن تلقفته، لتُظهر المملكة وكأنه لم يبق أمامها إلا التوقيع على الاعتراف بإسرائيل، دون الحصول على أي مكاسب للفلسطينيين كما فعل بعض العرب المطبعين.
* *
لحسن الحظ أن المملكة لا تعلّق ولا ترد على مثل هذه الأكاذيب، وليس من عادتها أن تلقي بالاً أو اهتماماً لمثل هذه المعلومات الغبية، وتنظر دائماً إلى العمل المفيد في خدمة القضية الفلسطينية بإحساس عروبي وإسلامي وإنساني، دون اعتبار لحجم الافتراءات، والإساءات، التي اعتادت عليها الرياض من البعض، وتتعامل معها بعقل وحكمة، وعلى نحو لا يعرّض اهتمامها ودفاعها عن الحق المشروع للفلسطينيين لأي فتور كما تريد بذلك إسرائيل، وأعداء دولة فلسطين.
* *
وهذا الافتعال المشبوه، بخلق سبب واهن عن أحداث 7 أكتوبر، لا يغيِّر في الأمر شيئاً من أن القضية الفلسطينية تراجعت كثيراً، بفعل ما حدث، وأن الحديث عن الدولة الفلسطينية أصبح الآن يتم بالهمس، وهذا ما أزعج من كانوا سبباً وراء انتصارات إسرائيل وخسارتهم للحرب، فلم يجدوا للهروب من المسؤولية في مغارتهم غير القول بأنهم قاموا بها لمنع التطبيع بين المملكة وإسرائيل، وقد نسمع في المستقبل سبباً أو أسباباً أخرى بعد أن يسقط وينتهي مفعول افتراء سبب التطبيع، خاصة بعد أن سقطت كل الرؤوس.