: آخر تحديث

مطارات الكلمات

3
2
2

منيف الحربي

في منتصف شهر مايو الجاري، أكملت عامًا كاملًا منذ أن بدأت رحلتي مع الكتابة الأسبوعية المتخصصة في مجال الطيران.

عامٌ من التحليق بين غيوم الأفكار، ومن الهبوط اللطيف فوق السطور، عام سعيت فيه لأن يكون الطيران أكثر من وسيلة تنقل، بل عوالم تستحق أن تُروى ببساطة، وتُكتب بشغف، وتُقرأ بمحبة.

قبل عام، تشرفت بالانضمام إلى «طاقم» عكاظ، الصحيفة التي لم تتنازل يومًا عن مكانتها في صدارة المشهد الصحفي السعودي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المقالة الأسبوعية مسؤولية وعي لا مجرد كلمات تُسطّر، وصارت هذه الزاوية نافذة حرصت أن يرى الناس من خلالها عوالم الطيران بما فيها من جمال وتعقيد، وما يحيط بها من غموض وفضاءات، نافذةٌ تشرح التفاصيل، وتقدّمها بروح الكاتب الذي يعيش النص والصوت.

وعلى حد علمي فإن هذه المقالة المتخصصة بالطيران، هي الوحيدة من نوعها في الصحافة الخليجية وربما العربية.

أجتهدتُ دائمًا كي لا يكون محتواها تكرارًا لما هو معروف أو اجترارًا لأخبار متاحة، وسعيت أن تمضي بخطٍ مختلف، يجمع التحليل العقلاني البعيد عن المبالغات، والفكر الذي لا يتسوّل الإثارة، وحرصتُ كلّ أسبوع على اختيار الزوايا والاقتراب من الأسئلة التي لا تُطرح كثيراً، ومحاولة إضاءة الكواليس التي لا يراها الجمهور، والقضايا التي تمس جوهر الصناعة.

كتبت كل مقالة بدهشة طفل يرى الطائرة لأول مرة، وبهدوء خبير طوّحته المطارات.

في مقالاتي، كنت أبحث عن القصة قبل الخبر وعن الإنسان بين الأرقام؛ لأن الطيران هو دمعة مودّع، وضحكة عائد، وفي الوقت نفسه رافعة اقتصادية وبوابة استثمار، ومسرح يومي لتفاصيل تشغيلية لا تنتهي.

مرّ العام وكأنه رحلة قصيرة لكنها مليئة بالتحديات.

كتبت من صالات الانتظار المزدحمة ومن غرف الفنادق البعيدة، ومن مقاعد الطائرات المحلّقة، كتبت من قلب التجربة، لا من أطرافها وأنا الذي أمضيت ثلاثين عامًا في ممرات الطيران بين أصوات الطيارين وشاشات المراقبة وساحات الصحافة، وها أنا أجد نفسي كلما قرأت مقالتي في عكاظ أشعر بأنني أُقلع مع القارئ في فضاء من الكلمات، نتأمل معًا كيف يتقاطع الطيران مع الحياة.

ولأن الرحلات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، سأظل وفيًا للطيران والكتابة، وللقارئ الذي يحوّل كل مقالة إلى مدرج يمتد نحو الأفق.

سأواصل بمشيئة الله، بقلبي أولًا، ثم بضمير الكاتب الذي يؤمن أن الكلمات الصادقة قادرة على التحليق.

سأكتب ما دامت في السماء سحابة، وعلى الأرض مطار، وفي القلب حنين لا يخبو لرحلة مقبلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد