: آخر تحديث

حين توافقت دول الخليج مع الترمبية

1
1
1

تغيرات كثيرة طرأت على العلاقات الأميركية الخليجية خلال العقدين الأخيرين، تباعدت فيه وفترت، ثم عادت وتعززت تلك العلاقة، حين توافقت الرؤية «الترمبية الجديدة»، التي قرّرت وضع المصالح الأميركية، لا القيم الأميركية، معياراً للروابط والعلاقات بينهما.

حين أقرّت الإدارة الترمبية أنها غير معنية بفرض القيم والمبادئ الأميركية على الإنسانية جمعاء، كما فعلت الإدارات السابقة في العقود الأخيرة، فقرّرت إلغاء ما سمّته «البرامج غير القانونية، أو تلك التي لا تتوافق مع المصالح الوطنية الأميركية» من وزارة الخارجية الأميركية، وذلك من أجل إعادة تنظيم الوزارة ورفع كفاءتها.

قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا القرار شأن إداري أميركي داخلي معنيّ بتنظيم واحدة من المؤسسات الوطنية الأميركية، هي وزارة الخارجية، لكنه في واقع الأمر مسألة لها بالغ الأهمية، ومتعلقة بمصالح كل من هو غير أميركي، بل متعلقة بنا، الدول العربية بالأخص، وذلك أن تلك البرامج التي أُلغيت شَكلت على مدى عقد من الزمان أحد أهم أدوات القوى الناعمة التي من خلالها مارست الولايات المتحدة الأميركية دورها في التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، ومنها مملكة البحرين ومصر وتونس والمغرب... إلخ، وكان لها دور كبير في خلق ما سمّي حينها بالفوضى، وأدّى إلى ما سمي الربيع العربي.

ولنا تجربة في مملكة البحرين مع تلك البرامج عام 2003، وبعد تصويت البحرينيين على ميثاق العمل الوطني وإعادة العمل في المجالس النيابية والبلدية المنتخبة، حطّ «المعهد الوطني الأميركي لدعم الديمقراطية» رحاله في البحرين (NDI) وعمل على مدى 3 سنوات مع الجمعيات السياسية (الأحزاب) بشكل لم يراعِ فيها أي سيادة وطنية أو استقلالية، بل تحرك مدعوماً بقوة من وزارة الخارجية الأميركية في تحريض وتوجيه الأحزاب، حينها كانت وزارة الخارجية الأميركية عن طريق سفارتها تعمل على تنفيذ سياسة خارجية، تسمح بالتدخل والتغيير والدفع باتجاه إسقاط الأنظمة والتحضير لما سعت إليه كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، بحجة نشر الديمقراطية، على أساس أنها تمثل المصلحة الأميركية، ما اضطر مملكة البحرين بعد عدة تحذيرات وجّهتها للقائمين على ذلك المعهد إلى أن تطردهم من البحرين وترحيلهم فوراً.

ذات الحكاية تكررت مع مصر، التي استاءت كثيراً من البرامج التي تدعمها وزارة الخارجية الأميركية، التي لم تراعِ الحقوق السيادية لمصر، وكانت تتصرف بأريحية في الدولة داعمةً مؤسسات المجتمع المدني خارج إطار الأنظمة والقوانين والضوابط المحلية.

هذه هي نوعية البرامج التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة، فما الذي تغير حتى تتولى الخارجية الأميركية بيدها وبنفسها إلغاء تلك البرامج اليوم؟ الذي تغير أنه حين تولت إدارة ترمب انقلبت على تلك المفاهيم، فجعلت المصالح الاقتصادية الأميركية هي المحرك الأساسي للولايات المتحدة فقط، وبناءً عليها ترسم حدود العلاقة بينها وبين بقية الدول. أما أن تكون «القيم الأميركية» مفروضة على بقية الشعوب، خاصة أنها «قيم» غير متفق عليها، حتى بين الأميركيين أنفسهم، فتلك أمور لا تعنى السياسة الخارجية الأميركية، فأصبحت المصالح هي الحكم.

بالنسبة لنا المجتمعات العربية، من حسن حظّنا أن تتفق تلك السياسة الأميركية الجديدة (فيما يتعلق بالقيم الأميركية تحديداً، إذ أختلف معها في تقاطعات أخرى) مع مصالحنا تماماً، وتجعل العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة واضحة جداً، دونما حاجة لاستغلال «القيم» كورقة ضغط سياسية مغلفة بمسميات الإنسانية والحقوقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد