خيرالله خيرالله
حملت الزيارة التي قام بها الرئيس اللبناني جوزيف عون، حديثاً، لدولة الإمارات العربية المتحدة دلالات سياسية عميقة، خصوصاً أنّّها تأتي في سياق إعادة وصل ما انقطع من علاقات لبنان بالعالم العربي، وبروز محاولات لتجاوز هيمنة «حزب الله» على القرار السياسي. يتقدّم لبنان ببطء، ولكن بقوّة وصلابة في هذا الاتجاه، اتجاه التطبيع مع العرب. تساعده في ذلك الظروف الإقليمية والدوليّة، خصوصاً خروج إيران من سوريا من جهة وهزيمة «حزب الله» في لبنان من جهة أخرى. لعلّ أكثر ما يساعده وجود قيادة سياسية تؤمن بعودة لبنان إلى وضعه الطبيعي. إنّّه وضع حاولت إيران في الماضي القريب استبداله بما يتفق مع مشروعها التوسّعي في المنطقة.
بكلام أوضح، تمثل الزيارة، التي جاءت بدعوة من الشيخ محمد بن زايد، خطوة إستراتيجية لإعادة لبنان إلى الحضن العربي بعد سنوات من العزلة بسبب النفوذ الإيراني عبر حزب مسلّح.
ليس سرّاً أن الإمارات، كقوة اقتصادية وديبلوماسية، قدمت دعماً رمزياً وعملياً من خلال السماح بسفر مواطنيها إلى لبنان وتشكيل مجلس أعمال مشترك، ما يعزز الثقة الاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى الموافقة على دعم المؤسسات العسكرية والأمنية بكل ما يلزم. لابدّ هنا من العودة إلى أن دعم الإمارات للجيش اللبناني ليس وليد البارحة. أثبتت الإمارات في الماضي القريب، لدى وقوع أحداث مخيّم نهر البارد في مايو 2007، وقوفها الفعلي مع الجيش اللبناني. لم تتردّد وقتذاك بتقديم مساعدات للجيش اللبناني (تسليح طائرات هليكوبتر من نوع بوما وغير ذلك) كي تتمكن من الانتصار على عصابات «فتح الإسلام» التي لم يكن النظام السوري السابق و«حزب الله» بعيدين عنها. من يتذكّر كلام الراحل حسن نصرالله، في اثناء تصدي الجيش اللبناني لعصابات «فتح الإسلام» عن أن مخيّم نهر البارد «خطّ أحمر»؟
يعكس هذا التقارب الجدّي، المترافق مع إجراءات عمليّة، بين أبوظبي وبيروت رغبة عربية واضحة كل الوضوح في دعم لبنان الجديد تحت قيادة جوزيف عون، خصوصاً في ضوء انتخابه كرئيس في يناير 2025، بدعم سعودي وأميركي. يشير ذلك إلى تحول جذري في المواقف الإقليمية والدوليّة تجاه البلد.
من المفيد التوقف عند تصريحات جوزيف عون، في المقابلة القيمة التي أجراها معه الزميل عماد الدين أديب، على قناة «سكاي نيوز - عربيّة» في شأن سلاح «حزب الله». أكّد رئيس الجمهوريّة ضرورة نزع السلاح من كامل لبنان، مع التركيز الحالي على جنوب الليطاني بسبب الأولويات.
تبعث تصريحات عون برسالة واضحة إلى الإمارات والمجتمع الدولي بأن لبنان يسعى إلى استعادة سيادته. هذه التصريحات، التي جاءت في سياق اختلافات في شأن تفسير قرار وقف إطلاق النار مع إسرائيل، والمزايدات من قبل «حزب الله» تعكس عزماً على تفكيك معادلة الهيمنة التي فرضها «حزب الله» على القرار السياسي. الإمارات، التي طالما عارضت النفوذ الإيراني، رأت في موقف عون التزاماً بإعادة هيبة الدولة، ما عزز ثقتها به كشريك موثوق به.
خلال الزيارة، نجح جوزيف عون، في ترك انطباع قوي لدى القيادة الإماراتية بأنه زعيم وطني جدّي، يتجاوز الحسابات الشخصية ويمتلك رؤية واضحة لمستقبل لبنان. عززت خطاباته، التي ركزت على السيادة والاستقرار، صورته كرئيس يسعى إلى إعادة بناء الدولة. أظهر تأكيده على تجهيز الجيش اللبناني لتولي المسؤوليات الأمنية، خصوصاً في جنوب الليطاني، التزاماً عملياً باستعادة السيطرة والسيادة، بل الاحترام العربي للدولة اللبنانية.
جاءت الزيارة في سياق إقليمي معقد. تسعى الإمارات، في ظلّ هذا الوضع، إلى تعزيز دورها كوسيط وداعم للاستقرار في المنطقة. دعمها للبنان يعكس إستراتيجية لمواجهة النفوذ الإيراني بشكل غير مباشر، مع تعزيز التعاون العربي. كما أن توقيت الزيارة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، يشير إلى محاولة لتثبيت الاستقرار في لبنان كجزء من ديناميكيات إقليمية أوسع.
لم تكن زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية للإمارات مجرد لقاء ديبلوماسي، بل خطوة حاسمة لإعادة تموضع لبنان عربياً، مع إشارات قوية إلى نهاية هيمنة حزب الله، وتأكيد عون كزعيم يمتلك رؤية لاستعادة هيبة الدولة. الزيارة عززت الثقة المتبادلة وبدأت مرحلة جديدة من التعاون اللبناني-الإماراتي.
مع عودة الرئيس عون إلى لبنان، مسلّحاً بالدعم الإماراتي، هناك عودة إلى أسئلة منطقية تفرض نفسها. في مقدّم هذه الأسئلة كيف إخراج إسرائيل من الأرض اللبنانية المحتلة؟ هل من سبيل إلى ذلك من دون التخلي عن العيش في أوهام الضغوط الأميركيّة على إسرائيل... وهي ضغوط غير واردة؟
سيكون على لبنان عاجلاً أم آجلاً قطع خطوة أخرى في التصالح مع الواقع بعيداً عن عقدة الخوف من تطوير اتفاق الهدنة للعام 1949 مع إسرائيل. لابدّ من مثل هذا التطوير من أجل الذهاب إلى قطع الطريق على الاعتداءات التي لاتزال إسرائيل تقوم بها معتمدة على رفض «حزب الله» تسليم سلاحه. يضع الحزب نفسه مرّة أخرى في خدمة إسرائيل برفضه الاعتراف بأن لا فائدة من هذا السلاح، الذي يستهدف الانتصار على لبنان واللبنانيين ولا شيء آخر غير ذلك.
مثله مثل السلاح الفلسطيني الذي سمح به «اتفاق القاهرة»، في العام 1969، جلب سلاح «حزب الله» الويلات على لبنان وعلى أهل الجنوب تحديداً.
هل يدرك الحزب، ومن خلفه إيران، أنّ لا عودة لأي مواطن لبناني إلى أرضه وقريته المدمّرة من دون التعاطي مع مرحلة ما بعد «حرب إسناد غزّة»؟ هل يعرف أن لا إعادة إعمار ولا دولار واحداً من العرب أو الولايات المتحدة أو أوروبا من دون ثمن سياسي سيكون على لبنان دفعه كي يعود بلداً طبيعياً من دول المنطقة؟