محمد خلفان الصوافي
حال السودان الدولة منذ نجاح الثورة الشعبية في 19 ديسمبر 2019، كان بحاجة إلى فكر فلسفي يوفق بين الفهم الوطني لحاجات الشعب، الذي ناضل من أجل النهوض بدولته من سيطرة العقلية العسكرية الميليشياوية، وبين التحول السياسي الإقليمي، وربما الدولي، الحاصل في شأن التخلص من فكر تنظيم «الإخوان» الإرهابي المدمر للأوطان والمجتمعات، وذلك بعد أن هدد أعضاؤه استقرار عدد من الدول المجاورة للسودان؛ مثل ليبيا ومصر وتونس. ولكن تغلغل هذا التنظيم في الجيش السوداني أعاد حال السودان إلى ما قبل الثورة وأكثر سوءاً، وكأنه لم يخرج من تلك الحالة.
فالسودان الدولة، من غير أنه يُعاني من الاقتتال الداخلي بسبب ظلم أبنائه له؛ فإن ممارسات من يمسكون بالحكم هناك يمارسون «فن استعداء» أشقاء السودان، وكأن هذا البلد لم يكفه ما يفعله الصراع بين الجيش والدعم السريع في مقدراته الوطنية، التي أهلته لأن يُطلق عليه «سلة غذاء العرب»، وهذا الاستعداء يبدو عليه أنه لن يقتصر على دولة الإمارات فقط، فهي البداية، وإنما سيلحق الآخرين، مثلما جرى مع كينيا، لأن الخسارة الكبرى للسودان هي فقدانه للمصداقية والثقة الدوليين.
إن متانة علاقة دولة الإمارات بجمهورية السودان الشقيقة وشعبها، لا تعكسها حالة الانفعال، الذي يخلقه الجيش السوداني ضد الإمارات في المحافل الدولية وفي الإعلام العالمي، وآخرها يوم السبت الماضي، من خلال مندوبه في الأمم المتحدة، وهو يكرر تلك «الأسطوانة المشروخة» في زعم دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، وهي الادعاءات التي نفتها الأمم المتحدة عملياً من خلال تقرير خبراء مجلس الأمن.
الإمارات تبذل جهداً في دعم استقرار البلاد، في حين يهدف الجيش السوداني إلى توتير العلاقة، وإحداث قطيعة سياسية في ظل الارتباك السياسي، الذي يبدو عليه واضحاً، حيث أن هذا الجيش يعاني من تغلغل «الإخوان» وأنه بدأ يتضخم ويمارس انتهازيته السياسية - إحدى تكتيكات هذا التنظيم - لفتح خصومة مع الآخرين.
يقابل هذا القلق السوداني، حكمة الدبلوماسية الإماراتية في تعاملها مع استفزازات الجيش السوداني، واستمرارها في تأكيد مواقفها السلمية في إنهاء الصراع العسكري في السودان، وكذلك إرسال المساعدات الإنسانية للشعب السوداني الشقيق أينما تواجد، بل إن صدور تقرير خبراء مجلس الأمن يعزز من مصداقية ونزاهة دولة الإمارات دولياً، ويدحض ادعاءات جيش السودان.
النقطة الغائبة عن الجيش السوداني خصوصاً عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وهو يخوض معاركه الخاسرة، أنه يساهم في استفزاز الإقليم العربي بأكمله وبعضاً من دول العالم، سواءً بعلم أو دون علم، من خلال فتح المجال لعودة تنظيم الإخوان «المغضوب عليه» إلى الساحة العربية، من خلال الدولة السودانية لتكون نقطة مركزية للعودة «الإخوانجية» مرة ثانية إلى ممارسة تخريبه المجتمعي، وهذا الأمر كما يبدو للجميع مرفوض سياسياً ومجتمعياً في الدول العربية وآخرها ما حدث في الأردن.
الذكاء السياسي الذي يحتاجه السودان حالياً، ألا يفتح قادته ملفات خلافية مع الآخرين، في وقت تعاني الدولة من أزمات داخلية وخارجية، بل الأكثر ذكاء هو العمل على إنهاء الحرب الداخلية من خلال القبول بالحوار وبالمساعي الدبلوماسية، بدلاً من الإصرار على «محاربة الوطن». فالسودان أمامه مسافة كبيرة لأن يستعيد عافيته، وهو يحتاجها في ظل حالة التنافس الدولي على الإقليم المجاور له.
اختراق الجيش من قبل «الإخوان» يرجح من مسألة إزعاج جواره الجغرافي، الذي يسعى إلى لملمة نفسه من خلال التخلص من تداعيات ما كان يسمى بـ«الربيع العربي».
من السهل لأي مؤسسة عسكرية، إن لم تدرك دورها الوطني، تخريب وطن في الداخل والخارج وأن تضر شعبها، فمنطلق الفكر الذي يحمله «الإخوان» لا يخدم وطناً وإنما يعمل لصالح الجماعة فقط، وهذه القاعدة يدركها الجميع في العالم العربي.