: آخر تحديث

صراع إردوغان ونتنياهو على سوريا

0
1
1

مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب تغيَّر العالم كثيراً، ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغيَّر الشرق الأوسط؛ وانتهى المحور الإيراني، وحكومة جديدة في دمشق، وتمدد تركي في العمق السوري، تعدّه إسرائيل خطراً استراتيجياً. بهذا التغير تواجه إسرائيل أمرين كبيرين هما: المرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان. أمر خامنئي حلَّه ترمب بإعلانه أنه لن يقبل بإيران نووية، وبقي أمر إردوغان عالقاً، وهو يتطور بسرعة بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المطارات السورية لمنع تركيا من استخدامها قواعد عسكرية. اختار نتنياهو سلاح القوة لإخافة إردوغان، وإبلاغه أن تجاوز الخطوط الحُمْر الإسرائيلية ثمنه حرب مباشرة، وأنه لن يتردد في خوضها لأنها حرب مصيرية. وعبارة «حرب مصيرية» معناها أن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة سورية قوية تحمل آيديولوجية معادية لها، مسلحة ومدعومة. نتنياهو لا يطمئن لحكام سوريا الجدد، ولا للدور التركي، ولهذا يرسم للجميع، وبالنار، خطوطاً حُمْراً. المشكلة أن كلاً من نتنياهو وإردوغان يريد مكاسب تتجاوز الخطوط الحُمْر؛ نتنياهو يريد سوريا ضعيفة (دون جيش قوي) ومشتتة (مناطق نفوذ للأقليات) وعليها عقوبات دولية (لإضعاف الحكومة المركزية)، بينما يريد إردوغان بناء جيش سوري قادر على ضرب الحركات الانفصالية المهددة للأمن التركي، ورفع العقوبات لضمان دخول الشركات التركية لإعمار سوريا. نتنياهو بإضعافه سوريا يبقى الأقوى في المنطقة، وتَفتُّت سوريا يهدد أمن إردوغان القومي ويُضعف اقتصاده؛ إذن منطق مصالحهما يقودهما حتماً إلى المواجهة العسكرية. والسؤال: هل تقع فعلاً المواجهة؟

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أكد أن بلاده لا تسعى لمواجهة مع إسرائيل، وقال إن للحكومة السورية، بصفتها دولة سيادية، الحق، إذا أرادت، في عقد تفاهمات مع إسرائيل. وهذه اللغة الدبلوماسية الناعمة معناها أن لتركيا الحق، بالمقياس ذاته، في عقد التفاهمات نفسها، وأن رفض إسرائيل إياها يجعلها في رأيه أكبر «تهديد للاستقرار في المنطقة، وتقتات على الحروب». في المقابل، رأى وزير خارجية إسرائيل، جدعون ساعر، أن تركيا تلعب «دوراً خطراً في سوريا»، قاصداً أنها لم تراعِ مصالح إسرائيل. ما يريد قوله هو أن إسرائيل تتفهم مصالح تركيا بوجود عسكري دفاعي لحماية مصالحها، إنما ليس التمدد المؤسساتي العسكري والسياسي في سوريا؛ هذا التمدد لعبة خطرة جداً؛ وكأن إسرائيل تقول لإردوغان: تعال نجلس ونتفاهم!

تكمن الخطورة في أنه إذا جلس الإسرائيلي والتركي وتفاهما، فهذا معناه أن مصالح الشعب السوري لم تعد على الطاولة، وكذلك مصالح العرب في تكوين الدولة السورية. وهذا التفاهم وارد؛ لأنهما تابعان للمحور الغربي (الأميركي - الأوروبي) ويمكنهما الاتفاق، برعاية غربية، على أدوارهما في سوريا. فأميركا، التي تسعى لتخفيف وجودها في المنطقة، ترتاح لشريكين قويين يرعيان مصالحها الاستراتيجية، وبتكلفة أقل. لكن هذا الخيار - رغم منطقه المتماسك - يبدو مهتزاً؛ لسببين رئيسيين؛ أولاً: شخصية إردوغان ونتنياهو. وثانياً: طبيعة التحولات في المنطقة.

أولاً: إردوغان ونتنياهو كلاهما معتدّ بنفسه إلى درجة الغرور، وكلاهما مقتنع بمهمة تاريخية؛ نتنياهو بإقامة إسرائيل الكبرى، وإردوغان بإعادة أمجاد أسلافه العثمانيين. كما أنهما عقائدياً متعارضان حتى العظم، وكلاهما يعيش على عقيدة دينية يحملها، وإذا ما تنازل عنها زال الوهج عن زعامته، وأصبح ضعيفاً داخلياً، في وقت يحاول فيه كلاهما القضاء على المظاهرات ضده، وتمرير تشريعات تضمن بقاءه في السلطة لإتمام المهمة التاريخية.

ثانياً: التحولات بالمنطقة تؤشر إلى تغير كبير في التوازنات؛ لأن الغرب لم يعد كتلة واحدة، بل تتجه أوروبا، بعيداً عن أميركا، إلى حماية مصالحها عسكرياً واقتصادياً، وبالتالي تحتاج إلى تركيا كثيراً، خصوصاً في أوكرانيا؛ وهذا ما عبر عنه قادة في «الاتحاد الأوروبي»، لا سيما أن موقف إردوغان من أوكرانيا أكبر انسجاماً مع الموقف الأوروبي منه مع الموقف الأميركي. كما أن توحش إسرائيل، ورفضها مبادرات العرب السخية، وإصرارها على التوسع بحجة الأمن، يعزلها دولياً، ويحمل العرب على التفكير في خيارات بديلة؛ وترى دول كبرى، مثل الصين وروسيا، أن مصالحها أكبر مع العرب وتركيا، منها مع إسرائيل؛ لمعرفتها أن الأخيرة ورقة أميركية بامتياز.

المحزن أن هذه المواجهة أو التفاهم سيؤديان إلى النتيجة نفسها؛ التفاهم يؤدي إلى تقاسم النفوذ، والمواجهة العسكرية ستؤدي، كذلك، إلى مسارعةٍ أميركية وأوروبية للتدخل، ووقف الاقتتال، والدعوة إلى التفاوض، لإعادة رسم المصالح باتفاقيات تضفي الشرعية القانونية على الوجود التركي والإسرائيلي في سوريا. هذه الاتفاقيات لن تسمح لإردوغان بأن يحقق حلمه العثماني، ولن تسمح لنتنياهو بأن يحقق «إسرائيل الكبرى»، ولكنها لن تسمح أيضاً لسوريا بأن تكون دولة قوية، ومرجِّحة في موازين القوى الإقليمية.

ولكيلا يخسر العرب في تفاهمات كهذه، فعليهم أن يلعبوا دوراً أكبر في صياغة مستقبل سوريا؛ سواء عسكرياً واقتصادياً، وهم قادرون بحكم علاقاتهم الجيدة بتركيا وأميركا، وعلاقات بعضهم الدبلوماسية بإسرائيل، على تجنيب سوريا طريق الاقتسام الإسرائيلي - التركي، وعلى إعادتها إلى سكة الأمان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد