: آخر تحديث

إنقاذ «حماس»... أهمّ من إنقاذ غزة!

3
2
4

خيرالله خيرالله

منذ اليوم الأوّل لاندلاعها، في السابع من أكتوبر 2023، لاتزال حرب غزّة التي شنتها حركة «حماس» والتي صبّت في مصلحة إسرائيل تبحث عن أفق سياسي. زادت البحث صعوبة عودة دونالد ترامب، مجدداً إلى البيت الأبيض وقبوله التغطية الكاملة للمشروع الإسرائيلي الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالسياسة بمقدار ما له علاقة برغبة مستحيلة. تتمثل هذه الرغبة في تصفية القضيّة الفلسطينيّة نهائياً ومعها القضاء على خيار الدولتين. في الوقت ذاته، لاتزال إسرائيل مُصرّة على الانتقال من حرب إلى أخرى، كي لا يعود من وجود لغزّة بقيت «حماس» أم لم تبق. أكثر من ذلك، يلوح في الأفق خطر مواجهة مع إيران لن تكون الولايات المتحدة بعيدة منها.

يحيى السنوار الذي خطّط لتلك الحرب لم يفكر في ما سيفعله في اليوم التالي لـ«طوفان الأقصى» وما سيترتب على ذلك سياسياً إن في الأراضي الفلسطينية وإن على صعيد المنطقة. لم يفكر السنوار، الذي رحل عن عالمنا، في أن إيران ستعمل على استغلال الهجوم على مستوطنات غزّة انطلاقاً من حسابات خاصة بها. ارتبطت الحسابات الإيرانيّة في كلّ وقت باستغلال أحداث المنطقة من أجل عقد صفقة مع «الشيطان الأكبر» الأميركي تكرّس اعتراف واشنطن بالدور الإقليمي المهيمن لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة».

العالم لم يتقبّل فكرة «طوفان الأقصى» من أساسها. لم يتقبّل العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، فكرة شن هجوم انطلاقاً من غزة وتصفية كل هذا العدد من اليهود وتهديد أمن الدولة العِبريّة. بات على إسرائيل استعادة قوة الردع التي فقدتها في السابع من أكتوبر 2023. شاركت أميركا إسرائيل في هوسها المرتبط بقوة الردع. سارع الرئيس جو بايدن، في الذهاب إلى تل أبيب، كذلك وزير خارجيته انطوني بلينكن، الذي لم يتردد لحظة في الإعلان أنّه جاء بصفة كونه «يهودياً».

زاد الدعم الأميركي لإسرائيل من عجرفة بنيامين نتنياهو، الذي يعتقد أن في استطاعته أخذ ما يريده من أي مقيم في البيت الأبيض. ساعده الدعم الأميركي في تحسين صورته في الداخل الإسرائيلي على الرغم من كلّ متاعبه أمام القضاء والإتهامات الموجهة إليه. ساعده، أكثر ما ساعده، الوضع الإقليمي المتمثل في هزيمة «حزب الله» وفرار بشّار الأسد، إلى موسكو مع ما يعنيه ذلك من تقليص لنفوذ «الجمهوريّة الإسلاميّة» ونفوذها. صار مستقبل النظام القائم في طهران على المحكّ في ضوء ما أسفر عنه «طوفان الأقصى».

لم تقرأ «حماس» المعطيات التي ولدت من رحم حرب غزّة. المخيف في المرحلة الراهنة، مع تجدّد الحرب على القطاع وأهله، أنّ «حماس» لاتزال تمارس السياسة عن طريق أدوات قديمة تجاوزها الزمن وتجاوزتها الأحداث.

لم تعد الرهائن الإسرائيلية الموجودة لدى الحركة ورقة يمكن أن تستخدم في أي أخذ ورد مع إسرائيل وأي مواجهات معها. تخلّى «بيبي» عن الرهائن منذ فترة طويلة. بكلام أوضح، إنّ إسرائيل ليست في وارد التفاوض، كما كانت تفعل في الماضي، من أجل إنقاذ أحد مواطنيها. دخلت إسرائيل مرحلة جديدة عجزت «حماس» عن فهم أبعادها وانعكاساتها على قضيّة شعب يحتاج إلى مشروع سياسي وليس إلى إنقاذ قادة الحركة الذين مازالوا موجودين في غزّة أو مقيمين في هذه المدينة العربيّة أو التركية أو تلك.

هل إنقاذ «حماس» أهمّ من إنقاذ غزّة؟ الجواب أنّ العرب، بشكل عام حريصون على أهل غزّة... لكنه لا يوجد نظام عربي على استعداد لخوض حرب مع إسرائيل استناداً إلى أجندة تفرضها «حماس». وحدها إيران تريد من العرب التورط في حرب مع إسرائيل، لعلّ وعسى ذلك يخدم طموحها القديم – الجديد المتمثل في عقد صفقة مع أميركا.

سيأتي يوم تتغيّر فيه إسرائيل من داخل. لا يمكن للدولة العبريّة خوض كلّ الحروب التي تخوضها إلى ما لا نهاية بناء على رغبة بنيامين نتنياهو وحلفائه وخدمة للمصالح الشخصية لرئيس الحكومة. سيحدث ذلك بعد التخلص من خطر ملف المشروع النووي الإيراني.

يهمّ الخطر النووي الإيراني إسرائيل، كما يهم الولايات المتحدة وكلّ القوى الغربية الأخرى. لم تعد توجد دولة في العالم الغربي وفي المنطقة على استعداد للوقوف موقف المتفرّج من المشروع النووي الإيراني، خصوصاً في ضوء «طوفان الأقصى» الذي كشف أنّ «حماس» لم تحترم قواعد الاشتباك المتفق عليها مع الدولة العبريّة.

راهنت إسرائيل على «حماس» طويلاً من أجل قطع الطريق على تقدّم المشروع الوطني الفلسطيني. تبيّن أن مثل هذا الرهان في غير محلّه. ارتد هذا الرهان على الدولة العبرية نفسها.

متى تتغيّر «حماس»؟ ذلك هو السؤال الكبير، لا لشيء سوى لأنه لا يمكن للشعب الفلسطيني وقضيته البقاء رهينة «حماس» والذين يقفون خلفها. أخطأت «حماس» ومازالت تخطئ. مثلما أن الصواريخ التي راحت تطلقها من غزّة بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل منها في أغسطس 2005، وفّرت لإسرائيل فرصة للقول إن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه، نجدها الآن تستخدم ورقة الرهائن بما يسمح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بالهرب إلى حرب جديدة أقل ما يُمكن قوله إن الشعب الفلسطيني، خصوصاً شعب غزّة، في غنى عنها...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد