: آخر تحديث

«البيئة ــ المناخ» في مرحلة تباطؤ «تحول الطاقة»

2
1
1

واجهت مسيرة «تحول الطاقة»، صعوبات عدة منذ يومها الأول، بدءاً بضرورة الحصول على البراهين العلمية الدقيقة للتأكد أن الطاقات الهيدروكربونية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن التلوث البيئي والمناخي العالمي. ثم واجهت تخلف التزامات الدول الصناعية في دعم الدول النامية لبرامجها البيئية. والآن، برزت حملة الحروب الجمركية العالمية، التي ستزيد الالتزامات المالية تعقيداً، حيث من المرجح أن تؤدي إلى تقليص المخصصات لصناعات الطاقات المستدامة. نظراً لارتفاع معدلات التضخم، فالتكلفة العالية للصناعات الجديدة.

بعد سنوات من الأبحاث العلمية، توصلت مجموعات من العلماء إلى أن «الوقود الأحفوري» (النفط الخام، والغاز الطبيعي، والفحم الحجري) هو السبب الرئيس للتلوث والتدهور البيئي والمناخي. لكن بقي السؤال: أي نوع من أنواع الوقود الأحفوري الثلاث، هو المسؤول أكثر عن التلوث؟ والمعروف أن الفحم الحجري الذي بدأ استعماله بكثرة وازدياد منذ انطلاق الثورة الصناعية في أوروبا في منتصف القرن الثامن عشر، كان وقوداً ملوثاً. وقررت بريطانيا إيقاف استعماله في النصف الثاني من القرن العشرين قبل اتفاقية باريس 2015 ومؤتمرات «كوب». وقد تبعتها لاحقاً ألمانيا ثم بولندا في تقليص حرق الفحم بعد فترة قصيرة.

إلا أن الصين والولايات المتحدة والهند تستمر حتى يومنا هذا في حرق الفحم لتوليد الكهرباء وكذلك توليد الطاقة في بعض المصانع، إلى حين الانتقال للاعتماد على مصادر طاقة أقل تلوثاً. وفعلياً، استمرت الولايات المتحدة حتى وقت قريب في الاعتماد على حرق الفحم لتوليد ثلث طاقتها الكهربائية.

من اللافت للنظر، أنه طوال الحملة العالمية على الهيدروكربونات لم نسمع نفس حدة الانتقادات والمساوئ البيئية للفحم الحجري، كما للنفط. فقد كانت الحملة مركزة على «شيطنة» النفط دون غيره من الوقود، وخير مثال على ذلك هو «التلقين» الذي نشطت فيه الحملات في الدول الصناعية، الولايات المتحدة وأوروبا، في زرع الخوف من النفط بالذات، بحيث أصبح تعبير النفط وصناعته مستنكرا عند الرأي العام، إذ اعتبروه المسؤول الرئيس عن التلوث، دون النظر بإمعان في عوامل أخرى قد تؤدي إلى تقليص التلوث منه، كتحديث وسائل النقل وطرق التدفئة والتبريد وترشيد الاستهلاك وأهمية صناعة إدارة الكربون.

لقد مارست بعض الدول الصناعية المنتجة للنفط عملية «تحايل» بحيث تبنت مواقف لتقليص استكشاف النفط في مؤتمرات «كوب»، لكن في نفس الوقت الاستمرار بعمليات الاكتشاف النفطي لاستخدام نفط مكتشف حديثاً لاستهلاكه بعد عام 2050.

فقد طرحت السلطات البريطانية نحو 100 بلوك بحري في بداية الألفية تقريباً للاستكشافات. وشجعت الولايات المتحدة الاستكشاف والإنتاج للنفط الصخري، مما أدى إلى ارتفاع سريع وضخم للاحتياطات النفطية الأميركية بحلول عام 2014. وأبدت النرويج استعدادها لزيادة إنتاج حقولها النفطية والغازية البحرية بعد مقاطعة الأقطار الأوروبية للنفط الروسي إثر نشوب حرب أوكرانيا، وفي حال توقيع الدول الأوروبية عقود شراء على مدى عقدين أو ثلاثة عقود مع النرويج، بالذات للغاز الطبيعي. والدول الثلاث هذه لعبت دوراً أساسياً في مؤتمرات «كوب» لتقليص استهلاك النفط، لكن غضت النظر عن هذا وزادت احتياطياتها وإنتاجها في أول فرصة ممكنة ومتوفرة لها.

أدى الاضطراب في أسواق الغاز العالمية عند بداية هذا العقد إلى التأثير السلبي على إمدادات وأسعار الغاز، بالذات في أوروبا، الأمر الذي أدى بدوره إلى شح في إمدادات الغاز لأوروبا.

كما أدت التجربة الضخمة الأولى لاستعمال طاقتي الرياح والشمسية في الدول الصناعية إلى تجربة صعبة متمثلة بعدم كفاية الطاقة المنتجة لتلبية الطلب خلال فصل الشتاء القارس في نصف الكرة الشمالي، مما اضطر الدول الاستعانة بالإمدادات النفطية، بالإضافة إلى الطاقات المستدامة للحصول على الطاقة اللازمة في فصول الشتاء. هذا الأمر أدى بالذات إلى التفكير في ضرورة التوصل إلى سلة طاقة مشتركة، لربما لا يشكل النفط النسبة العالية فيها، كما هي الآن، نحو 85 في المائة، لكن يتوقع أن تبقى نسبته عالية في «السلة المشتركة» مستقبلاً.

هذا الاختلال في أداء الطاقات المستدامة، والتكاليف الباهظة لها، دفعا إلى ضرورة التفكير في سلة الطاقة المشتركة، تحديداً بعدما تبين للصناعة والشركات المتخصصة التكاليف الباهظة الثمن لبعض البدائل التي انصب الاهتمام بها، كالهيدروجين. ورغم أن موعد تصفير الانبعاثات لا يزال عقدين ونصف عقد من الآن، فإن الملاحظ أن سرعة زيادة استهلاك بعض سلع الطاقات المستدامة بطيئة نسبياً. فقد حققت مبيعات السيارات الكهربائية خلال عام 2024 نحو 10.4 مليون سيارة، وهي نسبة ضئيلة جداً من مجمل عدد السيارات والمركبات العالمية في الطرقات. هذا بالإضافة إلى أن غالبية مبيعات السيارات الكهربائية مؤخراً هي في الصين.

تواجه صناعات الطاقات المستدامة مخاطر حقيقية وأصعب بكثير مما واجهته لحد الآن، بسبب نشوب الحروب الجمركية العالمية، بالذات على الصين. فهذه الحروب ستزيد من أسعار الطاقات المستدامة، بالذات لأن الصين هي الدولة المنتجة الكبرى لهذه السلع، وتكمن أسواقها التصديرية المهمة في الولايات المتحدة والأقطار الأوروبية.

من ثم، فإن المعركة الجمركية الحالية ستؤدي في حال استمرارها، بل تصاعد ضرائبها، إلى تأخير مسيرة «تحول الطاقة» ومن ثم الإصلاحات البيئية والمناخية المطلوبة، إما بسبب الحروب الجمركية، أو إعطاء أولوية الاستثمارات للتسلح والحروب. فهناك تخوف كبير في أوروبا من مخاطر حرب مستقبلية مع روسيا في حال سحب واشنطن غطاءها العسكري لأوروبا، ومن ثم وجوب تغيير الأولويات في الموازنات السنوية الأوروبية إلى التسلح دون بقية الصناعات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد