: آخر تحديث

الذكاء الاصطناعي ولقمة العيش

0
0
0

أمينة خيري

يصعب على الغارقين في الصراعات والمكروبين بالحروب والمهمومين بلقمة العيش اليومية، ملاحظة ما يجري على صعيد الذكاء الاصطناعي. وما يجري ليس مجرد ابتكارات جديدة في هذا المجال، أو إبداعات متقدمة، تعد بمزيد من تغيير شكل الحياة كما عهدناها. ما يجري يضع قواعد، ويرسم معالم، ويحدد ملامح الحرب الكبرى القادمة، لا في حلبات الصراع، ولكن في علاقات الدول ومصائر الشعوب.

عناوين المرحلة كثيرة. الذكاء الاصطناعي يغير استراتيجيات الحروب. الذكاء الاصطناعي في الحروب، يحدد شكل صراعات المستقبل. الذكاء الاصطناعي غير المقيد، قادر على إثارة حرب نووية. الجيل الجديد من التكنولوجيا يغير وجه سلاسل الإمداد العالمي. الذكاء الاصطناعي يضع قواعد جديدة للتحليلات وعلوم البيانات.

هذه هي العناوين الجديدة، وذلك بعد ما امتص العالم صدمة الذكاء الاصطناعي الذي يغير قواعد العمل، ومهن المستقبل، وأسس التعلم، وطرق العلاج، وعالم المال والأعمال، والنقل والمواصلات، والأمن السيبراني، والخرائط، والمنطق الضبابي Fuzzy logic والتصنيع، والترفيه، والقوس يبقى مفتوحاً.

حتى المهن والوظائف المرشحة للبقاء، بعد ما أعلن الذكاء الاصطناعي سيطرته على العديد من المهام التي كان ينجزها بشر، واقعة في قبضة الذكاء الاصطناعي.

التقارير التي تحدثت عن استخدام فريق «وزارة الكفاءة الحكومية» الأمريكية للذكاء الاصطناعي، لصناعة قرارات خفض التكاليف، والمخاوف التي أثيرت حول آثار الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في قرارات تسريح الموظفين في الوكالات الحكومية الأمريكية، تقول الكثير عن دور الذكاء الاصطناعي في قطاع المهن البشرية.

ليس هذا فقط، بل هناك اتجاه متنامٍ في مجال التوظيف، بدأت شركات في استخدامه، يعتمد على كلمات مفتاحية لقراءة وتقييم السير الذاتية للمتقدمين لشغل الوظائف. كما بدأ بالفعل استخدام أدوات معالجة لغوية لتحليل إجابات المتقدمين لهذه الوظائف، سواء المكتوبة أو الشفهية. وهذا يعني أنه إن أغلقنا الباب أمام الذكاء الاصطناعي، فإنه حتماً سيطل علينا من الشباك.

النسخة الخامسة من مؤشر الذكاء الاصطناعي (2024)، والذي يقيس عمليات تبنّي الذكاء الاصطناعي، ودرجات التحقق والتطوير في الدول، حملت أخباراً طيبة. السعودية والإمارات ومصر وقطر والبحرين والأردن وعمان، حظيت بمراكز جيدة عالمياً.

وهذا عظيم. وكما هو متوقع، تهمين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين على قمة المؤشر. ورغم الفارق الكبير بين أمريكا التي تحتل الصدارة، والصين التي تأتي في المرتبة الثانية، إلا أن الحرب مستعرة من قبل الصين لتضييق الفجوة، وربما المنافسة على القمة.

إنها حرب بلا إراقة دماء أو تناطح دبابات وصواريخ. الصين تغمر الأسواق بنماذج ذكاء اصطناعي بالغة القوة. حين أحكمت أمريكا قبضتها على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ومنعت وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة، جاء رد الصين الانتقامي أسرع مما نتخيل. أطلق «التنين الصيني» نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً وأقل كلفة، والمفاجأة، أنها مجانية، ومتاحة للتنزيل والتعديل والدمج!

إنها الحرب كما لا ينبغي أن تكون. الصين تفرض واقعاً افتراضياً جديداً. وأمريكا تستعد للرد، والمستقبل للذكاء الاصطناعي، سواء كان حرباً شعواء بين أدوات مبتكرة صينياً، وأخرى مطورة أمريكياً، وربما تنضم إليهما روسيا، حين تفرغ من حربها في أوكرانيا، أو سيصل الطرفان إلى اتفاق ما، أو يرضخ أحدهما لتسوية ما.

أغلب الظن أن المواجهة والمنافسة والسباق ستستمر. البعض يقول إن هذا يصب بشكل أو بآخر في مصلحة بقية العالم، حيث بقية الدول تجني فوائد المناطحة، وذلك من منطلق «مناطحات قوم عند قوم فوائد». آخرون يتشككون في مسألة الفوائد وجني أرباح الصراع التقني، وهو ما يعيدنا إلى الدول والشعوب الواقعة في قبضة الصراعات التقليدية، والتي تصارع من أجل البقاء، بالمعنى الحرفي للكلمة.

بين قصف ودمار واستهداف، ونزوح وهروب ولجوء، وشبح الجوع، وتهديد المرض، وانهيار مقومات الحياة بمعناها البدائي من جهة، وبين هرولة عالمية للحاق بركب الذكاء الاصطناعي، لا يسعنا سوى السعي لكسر حلقة الصراع في المنطقة العربية، بحثاً عن النجاة، وهو ما يمكن الناجين من العودة للسعي لتأمين لقمة العيش، وربما اللحاق بركب الذكاء.

كاتبة صحافية مصرية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد