رشاد أبو داود
كانت أم كلثوم في إحدى زياراتها للإسكندرية بصحبة الشاعر أحمد رامي والموسيقار رياض السنباطي. هناك التقوا مصادفةً الفنان إسماعيل يس، في إحدى الصيدليات بمنطقة محطة الرمل. بعد تبادل التحيات، لفت نظر أم كلثوم وقوفه بجوار الميزان الآلي، فسألته عن وزنه، وأجاب:
«زي الفل 78 كيلو فقط لا غير»، وهنا اندهشت كوكب الشرق وقالت: «مش معقول.. لازم اتوزنت من غير بقك»، فضحك الجميع بقوة، وهنا أصر إسماعيل على أن تزن نفسها هي الأخرى..
رفضت أم كلثوم بعد تحذيرات رامي لها بأنه يتميز بسرعة البديهة وخفة الدم، وما من شك أنه يريد الانتقام منها في نفس اللحظة، وبعدما لاحظ نجم الكوميديا ترددها، ثم رفضها، أجاب سريعاً: «أكيد سيبتي صوتك في مصر وخايفة توزني نفسك من غيره»، فلم يتمالك الجميع أنفسهم من الضحك، وكانت هي أولهم.
مات إسماعيل ياسين الذي أضحك الوطن العربي حزيناً فقيراً معدماً، كما تردد في حينه، لكن نقاداً آخرين قالوا إن هذا الكلام ليس صحيحاً. لم يترك ثروة تعادل الضحكات التي رسمها بـ«بُقه» فمه الكبير على شفاه الملايين على مدى عشرات السنين، لكنه مات ميسور الحال محتفظاً ببيته الكبير.دوام الحال من المحال، الأيام دول، ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك.
جمل نمر عليها سريعاً من دون أن نتوقف عندها ونتفكر فيها.ثمة مشاهير كانوا أغنياء وماتوا فقراء لا يملكون إيجار البيت، أو ثمن العلاج، أو حتى تكاليف الجنازة. الممثل عبد السلام النابلسي، الفلسطيني الأصل اللبناني المولد الذي أصبح فناناً كوميدياً في مصر، وصديقاً مقرباً من عبد الحليم حافظ، وظهر معه في معظم أفلامه.
وظلت أدواره عالقة في السجل الفني العربي. مرت حياته بسلسلة إحباط وخسارات كانت آخرها خسارته أمواله التي كان يودعها في أحد البنوك بسبب انهيار وإفلاس ذلك البنك. توفي في العام 1968 ولم تكن تملك زوجته تكاليف الجنازة، حيث تكفل بها صديقه فريد الأطرش. من منا لا يتذكر يونس شلبي، «الواد اللي مبيجمعش» في المسرحية الأشهر «مدرسة المشاغبين» مع عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي، والتي أضحكت الملايين عشرات السنين. مات يونس العام 2007 وقد هده المرض والفقر و..تجاهل الفنانين ونقابة الممثلين لظروفه الصعبة. وطالبت زوجته النقابة بعلاجه دون جدوى حتى اضطرت أسرته إلى بيع كل ما تملك بما فيه بيتهم في بلدته المنصورة لدفع نفقات علاجه.
هل تتذكرون مسرحية «شاهد ما شفش حاجة»، فقد أقعد المرض على كرسي متحرك رئيس المحكمة الفنان الكبير نظيم شعراوي. عاش أواخر حياته بائساً حزيناً لتنكر زملائه له، إلى أن أسند إليه الفنان الإنسان نور الشريف دور رجل مقعد في مسلسل «الرجل الآخر» وفاءً له ولفنه. وكان بالفعل مقعداً. وعند انتهاء دوره تقدم إلى نور الشريف وحضنه أمام الكاميرات، وقال له «شكراً يا نور» بدلاً من يا مختار كما هو مكتوب في السيناريو. كان هذا الدور الأخير في حياة الفنان نظيم شعراوي. الموت فقراً ليس مقتصراً على الفنانين والمثقفين العرب فقط. فالشاعر الإنجليزي جون كيتس وجد ميتاً على الرصيف إثر إصابته بمرض السل. موزارت الموسيقي الأشهر مات بمرض التهاب البلعوم ولا يمتلك المال للعلاج. أما فان غوخ الذي تباع لوحاته بعد وفاته بملايين الدولارات فقد مات فقيراً حزيناً. ومثلهم أوسكار وايلد، ومايكل جاكسون، وفريدريك نيتشه، ويتني هيوستن، وغيرهم.