: آخر تحديث

ليسوا متاعاً في قطاع غزة

2
2
2

علينا ألا ننسى في غمرة إعادة إطلاق حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أن وقفها في 19 من الشهر قبل الماضي، لم يكن عن رغبة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب في السلام كما قد نظن، أو كما جرى تصوير الأمر لنا في وقته.

علينا ألا ننسى ذلك لأن اليوم الذي توقفت فيه الحرب كان هو اليوم السابق مباشرةً على دخول ترمب البيت الأبيض، وبالتالي، فاختيار يوم كهذا لم يكن مصادفة ولا كان عفو الخاطر، ولكنه كان رغبة في إثبات أن الإدارة الأميركية الجديدة قادرة على إنجاز ما عجزت عنه إدارة بايدن السابقة عليها طوال حرب دامت 15 شهراً.

وعلى الجانب الآخر في إسرائيل، فإن وقف الحرب في ذلك اليوم حقق هدفين اثنين لحكومة التطرف التي يرأسها بنيامين نتنياهو في تل أبيب.

حقق لها أولاً أن تلتقط أنفاسها بعد حرب أرهقتها وأرهقت جيشها، وحقق لها ثانياً أن تقدم ما يشبه الهدية إلى الرئيس الأميركي الجديد، الذي لم يكن قد دخل البيت الأبيض وقتها بعد، ولا بد أنه كان ممنوناً بهذه الهدية التي حرم نتنياهو بايدن منها، ولا بد أن من علامات الامتنان أن رئيس حكومة التطرف كان أول زائر أجنبي للبيت الأبيض بعد استقرار ترمب فيه.

وعلى طول المسافة الزمنية من 19 الشهر قبل الماضي إلى 18 من هذا الشهر، عندما أعادت حكومة التطرف إطلاق حرب الإبادة، فإن اليقين في السلام كقيمة باقية بين الشعوب لم يكن له وجود لا في بلاد العم سام، ولا بالطبع في إسرائيل، وإنما كان اليقين في أشياء أخرى كثيرة في قطاع غزة ليس من بينها السلام.

وحين قالت وكالات الأخبار إن الرئيس الأميركي راح يبارك إعادة إطلاق حرب الإبادة، فإنها أضافت أنه طلب من نتنياهو إنهاء أو إنجاز المهمة في القطاع. ولم يذكر أحد ما هي بالضبط المهمة التي يريد ترمب من نتنياهو إنهاءها.

هل هي القضاء على عناصر حركة «حماس» في المكان؟ هذا جائز، ولكن المشكلة أن هذا نفسه غير ممكن عملياً على الأرض؛ لأن عناصر «حماس» ليسوا موجودين أمامها جيشاً نظامياً تتعامل معه فتقضي عليه أو يقضي هو عليها، وقد أثبتت تجربة الحرب هذا بكل وضوح، ومن الحماقة أن تجرب حكومة التطرف الإسرائيلية إعادة فعل الشيء نفسه للمرة الثانية، ثم تتوقع نتيجة مختلفة عن النتيجة في المرة الأولى.

فهل المهمة هي تدمير ما تبقى من القطاع على امتداده؟ هذا جائز بدوره، ولكن احتماليته أقوى من احتمالية القضاء على «حماس»، وهناك ما يؤيد ذلك إذا استعدنا في الذاكرة ما تابعناه طوال أيام مضت بشأن مقترح التهجير البائس الذي ألقاه ترمب، ثم مضى يُزينه في أعين الفلسطينيين مرة، ويتراجع عنه مرةً ثانية، ثم يعود إليه مرةً ثالثة، ويصرف عنه النظر في مرة رابعة، وكأننا في مزاد لا أمام قضية تخص وطناً فلسطينياً، ويختص بها الذين هُم أبناء أصلاء لهذا الوطن.

من بين ما تابعناه وعلينا ألا نغفل عنه، ما قرأناه عن اجتماع للحكومة المصغرة في تل أبيب كان يناقش بنداً واحداً هو التهجير الناعم للفلسطينيين من أرضهم في القطاع. لقد عشنا حتى عرفنا أن التهجير الخشن الذي اقترحه ترمب له بديل آخر اسمه التهجير الناعم، وأن ذلك ليس مزحة، ولكنه حقيقة ينعقد لها مجلس وزراء مصغر في إسرائيل!

ومن بين المضحكات المبكيات أن مجلس الوزراء المصغر أعلن قبل انعقاده، أن التقديرات تقول إن 200 ألف غزاوي يمكن أن يستجيبوا لإغراءات التهجير الناعم، ولو صح ذلك فسوف تكون هذه مزحة بالتأكيد؛ لأننا حتى لو افترضنا أن هذا العدد سيغادر طوعياً، فماذا عن مليونين تقريباً من أهل غزة سوف لا يستجيبون، وسوف يتمسكون بالبقاء في أرض الأجداد؟

ولا يبتعد عن المضحكات المبكيات أن تتسرب أنباء عن أن واشنطن ومعها تل أبيب تحدثتا مع ثلاث دول أفريقية لاستقبال الفلسطينيين على أرضها. صحيح أن الدول الثلاث التي ورد ذكرها في التسريب نفت الأمر، ولكن يظل الموضوع في نطاق المضحكات المبكيات لا يغادره، وإلا، فما معنى أن تتعامل الحكومتان في العاصمتين الأميركية والإسرائيلية مع الفلسطينيين في أرضهم، وكأنهم متاع يمكن حمله ونقله بسهولة من هنا إلى هناك؟

الفلسطينيون ليسوا متاعاً يمكن نقله بهذه السهولة من غرفة إلى غرفة، ولا من بيت إلى بيت، ولا بالطبع من أرضهم إلى أرض أخرى. وإلى أن يفهم صانعو القرار في واشنطن وتل أبيب هذه الحقيقة، سوف يكون على أبناء الأرض أن يدفعوا من الأثمان ما لم يدفعه أبناء أي أرض في أي مكان، ولكنهم يدفعون عن إيمان بأنهم قد كُتب عليهم القتال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد