: آخر تحديث

الشيخوخة المبكرة.. مجرد أوهام!

6
6
6

رشاد أبو داود

بإمكانك أن تغير ساعتك، أن تتحكم في وقتك، وأن تحدد موعدك مع صديق لم تره منذ زمن، أو مع صديقة فرقت بينكما الأيام، لكن أمرين لا يمكن لأي إنسان أن يتحكم بهما، المولد والموت.

حاول الفراعنة، الذين بنوا الأهرامات، والإغريق، الذين أبدعوا في الفلسفة، والبابليون، الذين بنوا الحدائق المعلقة والحضارات القديمة، أن يصنعوا ما أسموه إكسير الحياة أو إكسير الخلود، وهو شراب من مادة كيميائية، ليعيشوا زمناً أطول، لكن دون جدوى، كلهم فشلوا في أن يمدوا في حيواتهم دقيقة، بل ثانية واحدة.

في الصين، أجرى الباحثون القدماء تجارب، خلطوا فيها العديد من المعادن مثل الرصاص والذهب والزئبق، معتقدين أن هذا الخليط يطيل العمر، لكن ثبت أن الزئبق قاتل ومدمر للجسم البشري، وقد مات أحد ملوك الصين القدماء لأنه كان يتناول جرعات كبيرة من الزئبق.

قيل: «السعادة ليس أن تضيف أياماً لحياتك، بل أن تضيف سعادة لأيامك».

بعد أن فشل الإنسان في تحقيق الخلود، اتجه إلى المكملات الغذائية وعمليات التجميل، التي تطيل مظاهر الشباب، وقد تفعل، لكنها أبداً لا تنتصر على الموت. العالم الروسي في الكيمياء الحيوية فلاديمير سكولا تشيف قال: «الموت لا مفر منه، لكن الشيخوخة ليست حتمية».

المفكر الأمريكي أوريسون ماردن يقول: «إن البشر يقصرون أعمارهم بأيديهم، وذلك من خلال استسلامهم لفكرة الموت والنهاية، ويقنعون أنفسهم بأنهم كبروا، واقترب الموت منهم، فتظهر التجاعيد على وجوههم، وتقل حركتهم، وتضعف أجسادهم، بفعل شيخوخة مبكرة.

والأفكار المدمرة يمكن أن تؤثر سلباً على الخلايا وتبطئ عملية الشفاء، كما أن أفكار الشيخوخة تنتقل إلى الخلايا الجديدة فتبدو أكبر من عمرها».

ينصح ماردن بعدم البحث عن الشيخوخة المبكرة في المرآة، بل بمراقبة علامات الشباب والجوانب الإيجابية، وهذا هو الإكسير الحقيقي.

عجوز فرنسية تدعى جين كاليمنت، بلغت من العمر تسعين عاماً وهي أرملة. كانت لديها بنت واحدة ماتت من مرض الالتهاب الرئوي، وكان لديها حفيد واحد، وقد توفي أيضاً، بسبب حادث مروري، ولم يبقَ أحدٌ من العائلة غيرها.

كانت تعيش في شقة في وسط باريس، وفي منطقة حيوية، وذلك في العام 1965. لم تجد جين أحداً يعيلها، ويصرف عليها، وهي لا تستطيع العمل ومدخولها الوحيد قليل جداً، ولا يكفيها.

لاحظ ذلك أحد المحامين فأراد استغلال الوضع لصالحه، فعرض عليها أن يدفع لها مبلغ ألفين وخمسمائة فرنك فرنسي شهرياً، طيلة حياتها، مقابل أن تعطيه الشقة بعد وفاتها، وقد وضع لها ضمانات بأنه لن يتراجع عن العقد المبرم بينهما، الذي لا يمكن إلغاؤه.

اعتقد المحامي أن امرأة في هذه السن لن تعيش لأكثر من سنتين أو ثلاث، وسيحصل على الشقة بسعر زهيد، لكن ما حصل غير ذلك تماماً، فقد عاشت جين وبلغت سن المائة واثنين وعشرين، ومات المحامي قبلها، بسبب مرض السرطان، وعاشت هي، واحتفظت بالشقة، بعد أن دفع المحامي طيلة ثلاثين عاماً أضعاف قيمة الشقة، ولم يحصل على شيء في النهاية.

قد يظن الإنسان أحياناً أنه أطول عمراً من غيره، وأنه قد يستفيد من غيره بالحيلة، لكنه لا يعلم أن الله أوجده، لتعيش هذه المرأة على حسابه، ويموت هو بحسرته.

يعتقد البعض أن التقاعد من العمل يعني أن «تقعد» عن العمل، تنتظر ملك الموت، الذي لا يمكن أن تعرف متى يأتي، وهو ليس مثل «غودو» في مسرحية صامويل بيكيت يأتي ولا يأتي، بل مؤكد أنه سيأتي.

ذلك البعض يجلس في البيت، يطلق لحيته، يتذرع بالفراغ، وحين تسأله، ماذا تفعل بعد تقاعدك يقول لك، «الحمد لله، من المسجد إلى البيت ومن البيت إلى المسجد»، وينسى أن العمل أيضاً عبادة، والدين يحث على العمل لا على الكسل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد