محمد ناصر العطوان
في عالمنا المعاصر، حيث تتقلب الأوضاع الاقتصادية كما لو كانت عروضاً في سيرك، تواجه الحكومات تحديات مالية تتطلب منها السير بحذر على حبل مشدود وهي ترتدي حذاءً ضيقاً!
التوفير في الميزانية الحكومية وبند المصروفات ليس مجرد عملية عشوائية لخفض النفقات، بل هو بمثابة فن يحتاج إلى توازن دقيق بين تقليص النفقات والحفاظ على الاستقرار وتوفير البدائل، وتعزيز عمليات الاستثمار.
تسعى الحكومات إلى تحقيق هذا التوازن من خلال مفهوم «مفارقة الممرات الضيقة»، حيث يتعين أن تتخذ خطوات حذرة لتقليص النفقات غير الضرورية، مع الحفاظ على الخدمات الأساسية مثل الإسكان والصحة والتعليم والأمن، فالتقشف المفرط قد يؤدي إلى اضطرابات، في حين أن التهاون في ضبط الإنفاق قد يؤدي إلى انهيار النظام المالي.
ومن ناحية أخرى، تواجه الحكومات تحدي «التكلفة الغارقة»، وهو الميل لمواصلة الاستثمار في مشاريع فاشلة بسبب الاستثمارات السابقة فيها، هذا الفخ يجعل من الصعب اتخاذ القرارات الصائبة والتخلي عن المشاريع غير المجدية، مما يؤدي إلى هدر الموارد وإعاقة الابتكار.
أحد الخيارات التي تحتاج إلى جهد وتخطيط ومتابعة وتطوير هو نظام «الميزانية القائمة على الأداء»، حيث يتم ربط التمويل بالأداء والنتائج المحققة، وهذا النظام -عزيزي القارئ- يضمن توجيه الموارد نحو المشاريع الأكثر فعالية وإنتاجية، مع التخلص من المشاريع التي لا تحقق النتائج المرجوة، كما أنه يعتمد على مراجعة دورية لمشاريعه وتقييمها بشكل مستمر لضمان كفاءة استخدام الموارد، وتحقيق أقصى استفادة اجتماعية.
إن الحكومات يمكنها تحقيق التوفير الفعّال من خلال اعتماد منهجيات شفافة ومبنية على البيانات، وهو ما يساعدها على السير بمهارة على الحبل الرفيع بين التقشف والاستثمار في المستقبل، وبهذا تستطيع الحكومات تحويل التحديات المالية إلى فرص لبناء اقتصادات قوية ومرنة قائمة على المعرفة والابتكار الاجتماعي، دون الوقوع في فخ التكلفة الغارقة أو إثارة السخط... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.