خيرالله خيرالله
توجد عناوين كثيرة تستدعي التوقف عندها في الخطاب الأول الذي ألقاه أحمد الشرع، بعد أقل من 24 ساعة على توليه موقع رئيس الدولة في سوريا. يظلّ العنوان الأبرز الوارد في الخطاب القصير الذي ألقاه قوله: «سنشكل حكومة شاملة تعبّر عن تنوع سوريا». كذلك، شدّد عن أن «لا إقصاء» لأحد وسنعمل من أجل الوصول إلى «مرحلة انتخابات حرّة ونزيهة». وعد بـ«استعادة الهوية المفقودة لسوريا»، وهي هوية عمل نظام آل الأسد على تغيير طبيعتها جذرياً طوال ما يزيد على نصف القرن.
يرتدي الكلام الصادر عن الشرع أهمّية خاصة، كونه صادراً عن شخص بات يتحدّث عن «تنوع سوريا» بعدما ارتبط اسمه في الماضي بالإرهاب والتطرف الديني، بل كان طوال مرحلة في تنظيم ارتبط بـ«القاعدة».
ليس سهلاً تمكّن شخص من إعادة تأهيل نفسه بالطريقة التي فعلها أحمد الشرع، الذي يبدو واضحاً أنّه يمتلك صفات استثنائية. مكنته هذه الصفات من إدراك أنّ النظام في سوريا في حاجة إلى الاهتمام بالبلد وبجميع السوريين بعيداً عن الشعارات الطنانة التي رفعها النظام المخلوع الذي كان همّه الأوّل والأخير التنكيل بالسوريين وتصدير أزماته إلى خارج الأراضي السورية.
كان يفعل ذلك حماية لنفسه أوّلاً وأخيراً. كان نظام آل الأسد يعترض على أي معاهدة سلام توقعها هذه الدولة العربيّة أو تلك مع إسرائيل. لكنّ ما تبيّن لاحقاً أنّ نقاط التفاهم مع إسرائيل التي توصل إليها حافظ الأسد، في العام 1974، مع هنري كيسينجر، كانت أكثر من استسلام سوري وقبول باحتلال الجولان. كانت ضمانات سورية للأمن الإسرائيلي في مقابل المحافظة على النظام العلوي في دمشق.
يبدو أن الرئيس السوري الجديد الذي لديه ما يسمّى «شرعية ثورية»، قابلة في مفهومها للنقاش، يعرف تماماً أنّه يكفيه إسقاط نظام آل الأسد كي تكون هناك أكثرية شعبية تؤيده. يساعده في تكريس شرعيته كونه يعرف تماماً ما الذي يريده. تؤكد ذلك خريطة الطريق التي تضمنها خطابه. حدّد الخطاب مراحل عدّة، من بينها انعقاد مؤتمر للحوار الوطني وصدور إعلان دستوري بغية الوصول إلى انتخابات عامة شفافة تليق بسوريا والسوريين وتحظى بدعم المجتمع الدولي.
استطاع أحمد الشرع، فرض نفسه في سوريا بعدما حقّق ما يشبه معجزة، معجزة التخلص من نظام أقلّوي متحالف عضوياً مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران التي خرجت من هذا البلد العربي المهمّ. من هذا المنطلق، منطلق التغيير الكبير على الصعيد الإقليمي، لا مفرّ من توقع انعكاسات للمشهد السوري على كلّ جيران هذا البلد الذي عاد أخيراً إلى الحضن العربي. الأكيد أنّه لا يمكن الاستخفاف بالدور التركي الذي أدى إلى هذا التغيير. كذلك لا يمكن تجاهل الدور المحوري لقطر. ليس صدفة أن يكون أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، أوّل القادة العرب الذين يزورون دمشق وأن تأتي زيارته في اليوم الأول لمباشرة أحمد الشرع، مهماته الرئاسيّة.
من الطبيعي وجود تحديات عدة ستواجه أحمد الشرع. يبدأ ذلك بتحد مرتبط بطبيعة البشر عموماً. ما الذي ستفعل به السلطة بعد تذوقه لطعمها؟
اللافت أنّ الرجل الذي يعتمد شعار «لكم دينكم ولي ديني» يتحدث في لقاءاته مع زواره لغة عصرية تأخذ في الاعتبار أهمّية انشاء «مناطق حرة» في كلّ انحاء سوريا وأهمّية الصناعات التحويلية. باختصار شديد، لم تحل العلاقة الخاصة بين أحمد الشرع، مع الثنائي التركي – القطري دون التركيز على أهمّية التعاطي في العمق مع المملكة العربيّة السعوديّة. وقد ينسحب ذلك على دولة الإمارات العربيّة المتحدة في مرحلة لاحقة.
كذلك، لا يتجاهل الشرع دور المرأة في المجتمع... على الرغم من أنّه لا يصافح النساء. لا يتجاهل أيضا أهمّية البرامج التربوية، أي أهمّية التعليم. يتصرّف الرئيس السوري الانتقالي بطريقة توحي بأنّّه يعرف الكثير في السياسة الدولية. لذلك نراه استقبل وفداً روسياً برئاسة ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجيّة. صحيح أنّ بوغدانوف ليس مهمّاً في التركيبة الروسيّة لكن الوفد الكبير ضمّ شخصيات لها تأثيرها في موسكو كونها تمتلك علاقة مباشرة بالرئيس فلاديمير بوتين.
يعرف أحمد الشرع، أهمّية روسيا ويعرف نقاط ضعفها. لذلك فرّق بينها وبين «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران. لعلّ أهمّ ما يعرفه أنّه معروف ماذا تريد روسيا، في الظروف الراهنة، من سوريا. تريد الخروج بأقلّ مقدار ممكن من الخسائر، لذلك يمكن الأخذ والردّ معها في شأن أموال بشار الأسد، وأفراد عائلته وأملاكهم في موسكو وسوتشي ومناطق روسية أخرى. قد يكون باكراً عقد صفقة بين دمشق وموسكو، لكنّ لدى أحمد الشرع، ورقة مهمّة تتمثل في حاجة روسيا إلى قاعدة حميميم في اللاذقية وميناء طرطوس.
ما ينطبق على روسيا لا ينطبق على إيران التي لم تسع إلى إبقاء بشّار الأسد، ونظامه في دمشق فحسب، بل سعت أيضاً إلى تغيير طبيعة المجتمع السوري على غرار تغييرها لطبيعة المجتمع في لبنان تمهيداً للسيطرة على مؤسسات الدولة اللبنانيّة.
إلى الآن، لا يمكن الكلام عن أخطاء ارتكبها أحمد الشرع، الذي يشفع به الدور الذي لعبه بإخراج عصابة آل الأسد وتوابعها من السلطة. لا يمنع ذلك وجود أسئلة كثيرة مازالت تفرض نفسها. من بين هذه الأسئلة هل أحمد الشرع، عصيّ على إغراءات السلطة وهل كل ما فعله ويفعله حالياً لا هدف سوى الإمساك بالسلطة لا أكثر؟
وحدها الأيام ستجيب عن مثل هذا النوع من الأسئلة، لكن الأمر الأكيد الوحيد أن ليس في الإمكان الاستخفاف برجل اسمه أحمد الشرع، لاتزال أمامه امتحانات كثيرة عليه اجتيازها!